د. يوسف عبدالحق*
من خلال قراءة متمعنة هادئة في المشهد الفلسطيني يتضح أن الشعب الفلسطيني يكاد يكون مجمعا على أن تحقيق هدفه الوطني الحالي المتمثل في ضمان حقه في العودة وإقامة دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 الخالية من أي إستيطان إسرائيلي، يشكل الحد الأدنى المطلوب من حقوقه العادلة لتحقيق تسوية سياسية حقيقية مع الاحتلال الاسرائيلي. وهذا الهدف هو موضع إجماع لدى كل قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني الأمر الذي يفرض على جميع القيادات الفلسطينية التي بدأت حوارها الوطني قبل عدة أيام ، أن تجعل من هذا الهدف خطا أحمرا محرم تجاوزه تحت أي سبب من الأسباب ومهما كانت الظروف والمبررات.
وقد تأكد للشعب الفلسطيني من واقع مسيرته الوطنية الحديثة طيلة حوالي قرن من الزمان أنه لا يمكنه تحقيق هذا الهدف المذكور باستخدام وسيلة دون أخرى، وإنما يحتاج إلى تشغيل كل الوسائل المتاحة من سياسية وإقتصادية وإجتماعية وجماهيرية ومقاومة في إطار مخطط تنسيقي بضمن تعظيم القوة الفلسطينية القادرة على إجبار الاحتلال الاسرائيلي على التسليم للشعب الفلسطيني بهذا الحد الأدنى من الحقوق الوطنية الفلسطينية. وبالتالي فإن تعطيل إستخدام أي وسيلة من هذه الوسائل بموجب أي إتفاق أو تفاهم هو إضعاف للحق الفلسطيني وتدعيم للإحتلال الاسرائيلي طالما أن الاحتلال الاسرائيلي لم يسلم بعد بهذا الحق الأمر الذي يفرض على القيادات الفلسطينية أن تجعل من هذا النهج خطا أحمرا محرم تجاوزه تحت أي ذريعة أو تبرير.
كما أن الدروس والعبر من التجارب الانسانية النضالية تقطع يقينا بأن حشد كل قوى الشعب بل كل أفراده، وتصليب إرادته وشحذ عزيمته هو المصدر الحقيقي الذى لا ينضب لقوة المقاومة فيه بشتى أشكالها ووظائفها، وتؤكد هذه التجارب أن تحقيق هذا الأمر يقتضي قيام إطار تحالفي جبهوي لجميع القوى الشعبية المناضلة الملتزمة بالهدف الوطني على أساس التعايش السلمي بين جميع البرامج السياسية و الاجتماعية لهذه القوى المناضلة لتحقيق الهدف الوطني المذكور من خلال التمسك بهذا الهدف مع الاحتكام للديموقراطية لحسم الخلافات السياسية في الوسائل والتكتيكات النضالية لتحقيقه من جهة، ومن جهة أخرى عن طريق الاتفاق على المسائل الجوهرية الاجتماعية المتمثلة في العدالة الاجتماعية وفي حرية العقيدة والراي والتعبير مع تأجيل حسم طبيعة النظام السياسي والاجنماعي لما بعد الاستقلال، إن المواطنة ليست ملكية الإنسان للأرض فحسب وإنما هي قبل ذلك إنتماء الانسان لأرض ومجتمع يوفر له حقوقه في المعيشة العادلة وفي الحرية والكرامة الانسنية، بهذه المنهجية يمكن للقوى الشعبية المناضلة تحقيق وحدة وطنية نضالية صلبة تتعاظم صلابتها وقوتها من خلال تركيم تجربتها في مواجهة الاحتلال. إن هذه المنهجية تشكل الخط الأحمر الثالث للقيادات الفلسطينية الذي يحرم تجاوزه تحت أي ستار أو حجج.
تبفى قاعدة جوهرية رابعة على غاية من الأهمية وهي تشكيل لجنة تحكيم عليا من شخصيات فلسطينية مشهود لها بالحكمة والنزاهة لتبت في أي خلاف قد يطرأ حول فهم وتطبيق هذه القواعد الجوهرية الثلاثة، ورغم الأجواء المكهربة والاستقطاب الشديدد بين فتح وحماس داخل الشعب الفلسطيني، فإن هذا الشعب العطيم الذي حمل مهمة وطنية وقومية وإنسانية بالغة الأهمية في تصديه طيلة قرن من الزمان للعدو الصهيوني الامبريالي، لا يمكن أن يكون عاقرا في إنجاب شخصيات وطنية مناضلة حكيمة ونزيهة، بل إنني أعتقد العكس تماما ، فالشعب الفلسطيني يزخر بمثل هذه الشخصيات المعروفة التي لا داعي لذكرها هنا، والتي تشكل حكما وطنيا عادلا ونزيها وصمام أمان لحماية هذه القواعد الجوهرية في المسيرة النضالية الفلسطينية.
إن توافق القيادات الفلسطينية على هذه القواعد الجوهرية الأربعة هو حجر الزاوية في أي وحدة وطنية مناضلة جدية ودائمة، إذ أنه على أساسس هذه القواعد يصبح من السهولة بمكان علاج وحسم أي مشكلة داخلية أخرى مهما بدت شائكة أو معقدة، باعتبار أن بقية المشاكل هي مشاكل فنية لا غير لا تؤثر على القواعد الجوهرية لا من قريب ولا من بعيد مهما كان إتجاه الغالبية في علاج هذه المشاكل ، فإستنادا إلى هذه القواعد المقدسة الأربعة تصبح إعادة بناء م.ت.ف عملية متاحة سلسة من خلال بناء مرجعية وطنية عليا ل م.ت.ف تقود العمل الوطني مؤقتا لحين إنتخاب المجلس الوطني الجديد وفق إتفاق القاهرة وبرنامج الوفاق الوطني وعلى أساس هذه القواعد المذكورة. كما تصبح مشكلة تشكيل الحكومة عملية ميسورة جدا باعتبارها تمثل حكومة خدماتية لا أكثر ونفس الأمر ينطبق على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية، أما مشكلة المهنية الوطنية للقوى الأمنية فإنها هي الأخرى تصبح سهلة الحل حيث ستنحصر مهمتها فقط في الأمن المدني للمواطن مستقلة تماما عن الفوى المقاومة، وبإنجاز كل ذلك تكون المصالحة الوطنية الحقيقية قد تحققت بل وبنت قلعة من الوحدة الوطنية عصية على السقوط مهما تكالبت عليها قوى الغدر والعدوان.
من هنا أقترح على الحوار الوطني الفلسطيني ممثلا بالأمناء العامين للقوى الفلسطينية المناضلة أن يضع هذه القواعد الأربعة علي قمة أولوياته ويركز جهده المكثف لإنجازها بحيث يتفرغ الأمناء العامون لهذه المهمة ويواصلون الليل بالنهار لتحقيقها وأقول بصراحة متناهية أن نجاح الحوار الوطني في هذه المهمة يقع ثقله الأكبر ومسؤوليته الأعظم على قيادتي فتح وحماس بإعتبارهما تمثلان شئنا أم أبينا على الأقل 70% من الشعب الفلسطيني، فهل هما تملكان إرادة صادقة جدية لتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في إنجاح هذا الحوار الوطني أم أنهما ستستنسخان تجارب الحوار الوطني عبر 40 عاما وبالتالي تكونان وفيتان لكاريكاتير ناجي العلي الذي سمى الحوار الوطني بالحمار الوطني !! أرجو أن لا يكون الأمر كذلك، لأن ما نواجهه هذه المرة ليس مجرد خلاف هنا وهناك وإنما هو تصفية مرحلية للقضية الفلسطينية ونحن غافلون غارقون في سلطة وهمية لا أكثر.
كتبت في 4/3/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق