السبت، 22 يناير 2011

في تونس، وأمام عظمة ثورة الكادحين ، واجبنا أن نسهم ولو بكلمة!!!


د. يوسف عبدالحق
جاءت عظمة ثورة الكادحين في تونس من أربعة منابع: أولها أنها الثورة الشعبية الأولى التي فجرها الكادحون في الوطن العربي على امتداد تاريخه الحديث، وثانيها أنها هي الثورة الوحيدة في الوطن العربي التي لم تعتمد باي شكل من الأشكال إلا على إرادة الشعب وتضحياته بدون أي قوة عسكرية رسمية أو شعبية دون إهمال للدور الطيب للجيش التونسي الذي لم يكن له ليتحرك فيما بعد لولا التضحيات الجسام التي قدمها الشعب العربي التونسي، وثالثها أنها الثورة الشعبية الوحيدة ليس على مستوى الوطن العربي بل على المستوى العالمي التي لم تعتمد على المال السياسي، فهي لا تملك هذا المال اصلا، ومن الطبيعي أن لا تجد أحدا من هوامير المال مستعدا لتمويلها باعتبارها تشكل تهديدا لهوامير المال ليس في تونس فقط بل في الوطن العربي برمته، ورابعها أنها حتى على المستوى السياسي تفجرت وهي مطوقة بعداء رسمي عربي وامبريالي دولي، وبالتالي لم يكن لها أي رئة سياسية تتنفس منها سوى الرئة الشعبية الكادحة التونسية والعربية والأممية، باختصار فقد تجلت عظمتها في أنها ثورة الأنسنة انطلقت في زمن الوحشنة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الامبريالية على جميع الصعد المحلية والعربية والدولية، إنها أشبه من حيث الظروف بثورة سبارتاكوس ضد الامبراطورية الرومانية في الربع الأخير من القرن الأول قبل الميلاد، والفرق هو أن ثورة سبارتاكوس كانت وحيدة ومسلحة ضد القيادة المركزية للوحشنة العالمية وانهزمت ، في حين جاءت الثورةالتونسية شعبية جاءت هي الأخرى أيضا وحيدة ولكن غير مسلحة وضد وكيل محلي للوحشية الامبريالية العالمية وهي تتقدم على طريق الانتصار التام.

في اجتهادي تواجه الثورة الشعبية التونسية أربعة احتمالات هي: الأول وهو الأضعف، يتمثل في أن يتسلل تحت جنح ضبابية وترددية وتشرذم الحركة السياسية في تونس، أحد القيادات العسكرية المصنعة امبرياليا نحو سدة الحكم متسترا بالحرص الوطني على إنهاء الفوضى والقلاقل والاضطرابات التي سيؤججها هو ومن وراءه، وبالتالي ينقض على الحكم بدعوى حماية المستقبل الوطني الذي يحرص عليه الجميع، ومن ثم وبعد أن يستقر له الحكم يعيد إنتاج ما مضى وإن كان مجملا، وهذا يعني في الحقيقة تبديد لتضحيات الثورة الشعبية، وينبع ضعف هذا الاحتمال من تواصل الحركة الشعبية من جهة ، ومن جهة أخرى من وعي الحلركة الياسية التي لا زالت تذكر لعبة بن على في نهاية ثمانينات القلرن الماضي،،

الاحتمال الثاني وهي أيضا ضعيف ويتمثل في أن تستغل الحركة الاسلامية الأصولية غير الديمقراطية نفس الظروف السابقة لتقوم بمحاولات السيطرة على الحكم بالقوة لفرض حكم ديني مآله الفتك بالكل وتدمير البلاد بقصد أو بدون قصد، ويأتي ضعف هذا الاحتمال بسبب تجذر الوعي الديمفراطي في عمق الشعب التونسي مما يجعله قادرا بسهولة وحزم على كشف زيف مقل هكذا احتمال،

يبقى احتمالان يتوقف مصير البلاد على نتيجة الصراع بينهما وهما

الاحتمال االثالث يتمثل في قيام النخب السياسية التابعة للإمبريالية العالمية بمجاراة حركة الثورة الشعبية مع العمل على تدجينها بالتدريج سواء من خلال المال السياسي الذي في ظني بدأ تدفقه بشكل كبير على البلاد منذ هروب بن علي، ومن خلال تركيز إعلامي مكثف يمجد النموذج الرأسمالي في الحكم في أوروبا والولايات المتحدة،إضافة إلى العمل على إعادة تنظيم هوامير المال في تونس بشكل أكثر جاذبية بعيدا عن الوجوه المحروقة وعن مخازي النهب والسلب الماضية، ويتم جمع كل ذلك مع عناصر بن علي غير الملوثة والتي لم تكن طافية على السطح بحيث يظهر تشكيل سياسي جديد هو مجرد تجديد ظاهري لتيار الحكم السابق، يخوض الانتخابات بشكل يمكنه من الفوز، إن خطورة هذا الاحتمال تأتي من أنه قريب الشبه بما هو جار في الدول العربية الأخرى حيث تملك عناصر هذا التشكيل خبرة قوية مدعمة من التجارب العربية والعالمية، وبالتالي فهي تملك القدرة على توفير عناصر التقدم والفوز بعيدا عن استفزاز الجماهير الكادحة في البداية، ولكنها ما أن تتمكن من الحكم حتي تعيد نسخ تجارب الحكم العربي الفاسد من خليجه إلى محيطه،

أما الاحتمال الأخير والذي يشكل في الحقيقة جوهر الثورة الشعبية، فيتمثل في بناء تجمع ديمقراطي تقدمي يقوم في منهجه على أساس أنسنة التنمية من خلال روافع العدالة الاقتصادية والاجتماعية، الديمقراطية، والقانون الإنساني الدولي، وتكون أولى مطالبه محاكمة رجال الحكم السابق على جرائمهم الإنسانية والاقتصادية، وتعويض المتضررين من جرائم الحكم السابق، وإنشاء قطاع عام ديمقراطي وشفاف ومسؤول وقادر على القيام بالمشاريع الاقتصادية والاجتماعية التي يهرب منها القطاع الخاص بسبب ضعف ربحيتها أو طول مدة التفريخ اللازمة للعملية الانتاجية، هذا التجمع يحتاج إلى جهد موضوعي علمي من القوى التقدمية الديمقراطية العلمانية لتبدع بشكل متميز يرتقي إلى مستوى التضحيات المقدسة التي قدمتها الثورة الشعبية، ويستخدم كل الوسائل الحكيمة المرنة ولكن الواضحة في جوهر منهجها الذي ذكر أعلاه، من أجل تجميع كل الفئات الوطنية بما فيها الليبرالية المؤمنة بالعدالة الاقتصادية والاجتمناعية ، والاسلامية المقتنعة بالديمقراطية العلمانية مع القوى الديمقراطية التقدمية العلمانية لتشكل تجمعا ديمقراطنيا تقدميا علمانيا قادرا على قيادة البلاد نحو انتخابات ديمقراطية تمكنه من الفوز الديمقراطي وهو ما يمثل الانطلاقة الثانية والأهم للثورة الشعبية الديمقراطية، صحيح أن الثورة الشعبية كان طريقها صعب ومحفوف بالمخاطر، ولكن الحفاظ عليها وعلى مسارها ومكتسباتها هو الأصعب، أجل آن أوان الشد فاشتدي زيم، كل دقيقة تضيع اليوم دون عمل على هذا التوجه يعني إضعاف للثورة الشعبية،
وهنا لا بد من كلمة للتاريخ تقال للقوى الديمقراطية التقدمية العلمانية بأن الشعب قام بدوره، فهل ستقومون بدوركم أنتم حتى لا يقول التاريخ يوما: نجحت الثورة وقتلها أولادها،

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق