تعتبر مقاطعة المحتل أحد وسائل المقاومة الهامة والفعالة إلى جانب وسائل المقاومة الأخرى في النضال الوطني التحرري لشعوب العالم، ولعل الزعيم الهندي غاندي هو أول من رسخها منهجا متكاملا في مقاومة الشعب الهندي للاستعمار البريطاني حيث كانت شاته رمزا للاعتماد على الذات ومقاطعة الاستعمار البريطاني، وتشمل المقاطعة وفق هذا المنهج مقاطعة الشعب كل وسائل الحياة المستمدة من الاحتلال والتي يستطيع الشعب توفير بدائل وطنية لها بعيدا ما أمكن عن الاعتماد على الاحتلال، وبمعنى آخر يعمل الشعب كل جهده بأن يعيش حياته بأقل قدر ممكن من التعامل مع الاحتلال بحيث تقتصر تعاملاته مع الاحتلال على الجوانب الضرورية لمعيشته التي لا يمكن توفيرها إلا عبر الاحتلال، ومع تعاظم قوة المقاطعة للاحتلال يصبح الطريق أمامها معبدا للعصيان المدني. ثم جاء حزب المؤتمر الوطني الإفريقي ليوسع من مفهوم المقاطعة حيث تمكن من أن يحول المقاطعة من وسيلة نضالية داخلية تتكامل مع كل أشكال المقاومة الأخرى، إلى سلاح دولي حطم شرعية نظام الأبارتهايد للبيض الساحة الدولية. لقد اكتسب الضغط الدولي زخماً هائلاً عام 1973 حيث قام اتحاد البنوك الأوروبية وكذلك الأمريكية بإلغاء القروض والتسهيلات لحكومة للأبارتهايد في جنوب إقريقيا بقيمة تزيد على 110 مليون دولار.
تشكل المقاطعة للعدو الصهيوني بكل مكوناته وسيلة هامة من وسائل المقاومة المتعددة لهزيمة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته في فلسطين وكل الوطن العربي ، وهي تعمل المقاطعة الفلسطينية والعربية للعدو الصهيوني إذا ما تم تفعليها بشك جدي وجذري، على تأسيس قاعدة جذرية سياسية وشعبية لنزع الشرعية الدولية عن هذا الكيان العنصري وذلك بعد أن تطوع الحكم العربي مجانا بشرعنة (لاشرعيته) من خلال اتفاقيات الإذعان الإسرائيلية/ الفلسطينية والعربية ونتيجة لمبادرة العجز العربي في قمة بيروت 2002، وبالإضافة إلى ذلك فإن المقاطعة تعمل على حماية الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي من الإستغلال الإسرائيلي لاقتصاده والمتمثل في فرض الاحتلال لسلعه وخدماته على المستهلك الفلسطيني بحكم سياسته القمعية من جهة، ومن جهة أخرى بفعل تفوقه في القدرة التسويقية مستندا في ذلك إلى جودة إنتاجه وسطوته التضليلية في الدعاية والإعلان. وتبرز أهمية حماية الشعب الفلسطيني من هذا الاستغلال ليس فقط في حماية المنتوج الوطني وتطويره مما يؤدي إلى تخفيض الأسعار على المواطن الفلسطيني، وزيادة فرص العمل المتاحة له في الاقتصاد الوطني، وتخفيف معاناته من البطالة والفقر وبالتالي تعزيز الاقتصاد الفلسطيني على طريق الصمود الوطني في مواجهة الاحتلال، ليس فقط في حماية كل ذلك وإنما أيضا وهو الأهم ، في حماية الحقوق الوطنية المشروعة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني المتمثلة في حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الخالدة، وذلك من خلال وقف تمويل الاحتلال من صادراته إلى السوق الفلسطينية التي تشكل ثالث أكبر سوق للصادرات الإسرائيلية بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، وعن طريق تعزيز حركة المقاطعة العالمية للأبارتهايد الإسرائيلي دعما للحقوق الوطنية الفلطسينية.
وبرغم كل دعوات المقاطعة ومقاومة التطبيع يلاحظ أن المستوردات الفلسطينية من السلع الإسرائيلية عام 2010 لا زالت عالية جدا حيث تقدر بحوالي 3,6 مليار دولار أي نحو 76% من إجمالي المستوردات الفلسطينية البالغة حوالي 4,8مليار دولار وذلك على أساس أن المستوردات الفلسطينية الشهرية تعادل مستوردات شهر ديسمبر من العام المذكور والبالغة 404 مليون دولار وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني ،وقد زادت نسبتها عن عام 2007 حيث كانت حوالي 74% ، وهي تشكل ما لا يقل عن 45% من الناتج المحلي الإجمالي الفلسطيني، أي أن حوالي نصف عرقنا وجهدنا ننفقه على منتوجات الاحتلال وهو ما يعزز من قدرة الاحتلال على مزيد من السيطرة والقمع. يضاف إلى ذلك أن تقليص هذا الانفاق بمقدار النصف مثلا يعني زيادة الطلب على المنتوج الفلسطيني بنسبة لا تقل عن الربع مما يؤدي إلى زيادة الاستثمار وزيادة الناتج المحلي وبالتالي التخفيف من البطالة المستشرية في المجتمع الفلسطينيي. وتتضح أهمية المستوردات الفلسطينية من السلع الإسرائيلية إذا قورنت بالحجم السنوي لتكاليف الاحتلال الإسرائيلي على الموازنة الاسرائيلية والبالغ في المتوسط خلال 40 عاما من الاحتلال بحوالي 8.7% أي نحو 5.8 مليار عام 2010 مليار دولار أي أن صادرات السلع الاسرائيلية للفلسطينيين وحدها تغطي وحدها أكثر من 60% من التكاليف الإسرائيلية للاحتلال هذا ناهيك عن الصادرات الإسرائيلية الخدمية للفلسطينيين والنهب الإسرائيلي للمياه والأراضي وثروات البحر الميت.
أما المقاطعة العربية للكيان الصهيوني والتي كانت تكلف الاقتصاد الإسرائيلي خسارة لا تقل عن 4 مليار دولار،فقد اعتراها الضعف والتآكل بحيث أن الصادرات الإسرائيلية للوطن العربي تضاعفت عام 2008 عن عام 2007 حيث بلغت أكثر من مليار دولار.
رغم كل ذلك فإن التطور الملحوظ الذي حدث في الحركة التضامنية العالمية مع الشعب الفلسطيني يفتح المجال على أوسع أبوابه لتفعيل المقاطعة فلسطينيا وعربيا ودوليا، فقد نجحت الجهود الشعبية الفلسطيني بالتعاون مع حركة التضامن العالمية في إطلاق حركة المقاطعة، وسحب الاستثمارات، وفرض العقوبات على العدو الإسرائيلي اختصارا
BDS
وذلك حتى تنصاع الحكومة الإسرائيلية لقرارات الأمم المتحدة في نزع الاستيطان الإسرائيلي، إنهاء الاحتلال، إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وإنهاء نظام الأبارتهايد في فلسطين 48، يقول بنغاني ناغيليزا أحد قيادات جنوب إفريقيا حين زار الأراضي الفلسطكينية المحتلة قبل عامين أن ما يحققه الفلسطينيون على مستوى المقاطعة العالمية يسير بوتيرة أعلى مما تم في تجربة جنوب إفريقيا،
وفي ضوء حركات الثورات الشعبية اليوم على امتداد الوطن العربي، ومع سقوط ورقة التوت عن العنصرية الصهيونية وانكشاف الموقف الأمريكي المتواطيء معها، باتت الظروف ناضجة ومواتية لحشد كل الجهد الفلسطيني في الداخل والخارج بالتفاعل مع حركات الثورات الشعبية العربية من أجل ترسيخ حركة المقاطعة للعدو الصهيوني شعبيا بحيث يتم مأسستها بشكل يمكنها من مواصلة النضال الشعبي لفرض المقاطعة على المؤسسات الفلسطينية والعربية العامة والخاصة والأهلية، وتفعيل مكتب المقاطعة العربية في دمشق بحيث يشكل كل ذلك تصعيدا للحملة العالمية للمقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على الكيان الصهيوني .
/2011/3/8/
رمضان مبارك سعيد
ردحذفوكل عام وأنتم بألف ألف خير
اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام،
ربي وربكم الله، هلال رشد وخير إن شاء الله
وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه
تحياتي ملوك الفاضل
ردحذفكل عام وعقلنا بخير وضميرنا حي
مع التقدير والشكر