الاثنين، 18 مايو 2009

سياساتنا الاقتصادية في واد واقتصاد الصمود في واد آخر

د.يوسف عبد الحق


حين تسأل أي مواطن فلسطيني بسيط ما هو الهدف الاقتصادي الأساس للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الاسرائيلي سيجيبك على الفور" تحقيق التوليد الذاتي للدخل في مستوى يكفي لتثبيت الشعب الفلسطيني في أرضه" وهو معيار وطني سليم لقياس مدى سلامة السياسات الاقتصادية الفلسطينية.
على أساس هذا المعيار دعونا بهدوء أن نفحص السياسات الاقتصادية الفلسطينية المطبقة، تقوم هذه الساسات على منهج اقتصاد السوق والذي أثبت فشله وفق هذا المعيار الوطني من خلال المعلومات السائدة حاليا وبدون الغوص في التاريخ الاقتصادي للسلطة الفلسطينية، تشير الأرقام المتاحة المعتمدة في خطة التطوير والاصلاح 2008- 2010 أن نصيب الزراعة لا يتجاوز 52 مليون دولار أمريكي من أصل أكثر من 1.6 مليار دولار أي حوالي 3% فقط معظمها للمشاريع الكبيرة في حين أن نصيب الزراعة في الموازنة العامة لا يتجاوز 1% ، وإذا علمنا أن أكثر من نصف سكان الأراضيى الفلسطينية المحتلة يعيشون في الأرياف وأن جوهر الصراع مع العدو الصهيوني هو الأرض اتضح تماما مدى فشل هذه السياسة وفق المعيار الوطني المذكور سابقا.
وقد تأكد هذا التهميش للقطاع الزراعي في منتجع بيت لحم التطبيعي حيث قدمت مشاريع بمقدار 2 مليار دولار منها 33.42 مليون دولار أي أقل من 1.7 % موزعة على 8 مشاريع فقط أي بمعدل 4 مليون دولار للمشروع الواحد. إن الزراعة الفلسطينية هي مشاريع في معظمها صغيرة وبالتالي فإن المشاريع الكبيرة لا تخدم سوى قلة من هوامير المال المرتبظة مصالحهم مع مصالح الاحتلال .
والأدهى من ذلك أن تكلفة فرصة العمل المعتمدة في السياسة الاقتصادية الفلسطينية المستندة أساسا إلى المشاريع الكبيرة لا تقل عن 40 ألف دولار، في حين أثبتت دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع الصغيرة في الجامعات الفلسطينية أن مبلغ 10 آلاف دولار على أقصى تقدير كاف لتحقيق التوليد الذاتي للدخل لتثبيت أسرة فلسطينية في الوطن. ولعل الدكتور فضل النقيب قد أبدع حين نصح باعتماد المشاريع الأقل صغرا" المشاريع الزغنونة" لتحقيق المعيار الاقتصادي الوطني.
حين ينظر المرء لدلالة هذه السياسات والأرقام في ظل سياسة الإفقار والخنق الاسرائيلي للإقتصاد الفلسطيني والتى أدت إلى أن يصل معدل الفقر في البلاد في الآونة الأخيرة أكثر من 75% خاصة في ظل خط الفقر المقدر من الجهاز المكزي للإحصاء والبالغ في نهاية 2007 أكثر من2360 دولار شهريا لأسرة من 6 أفراد وهو ما يزيد حاليا عن 2850 دولار يدرك تماما خظرة استمرار هذه السياسات التي تتجاهل كل مقومات الصمود الاقتصادي الفلسطيني. ويكفي للدلالة على صدقية هذا القول أن نشير ألى تصريح السيد فياض رئيس حكومة تسيير الأعمال في رام الله في رده على سؤال صحفي حول الإجراءات الحكومية لمعالجة ارتفاع الأسعار ةالذي قال فيه على هامش متجع بيت لحم بأن الحكومة لا تسطيع أن تدعم الأسعار وأنها ستعمل على رفع سقف الإعفاء من ضريبة الدخل إلى مبلغ 600 دولار شهريا أي حوالي 55% فقط من خط الفقر، هل يعقل بعد ذلك أن يصمد الفلسطيني في وطنه؟ أليس منطقيا في هذه الحالة أن تصل الهجرة الشبابية الفلسطينية منذ بداية عام 2007 ألى حوالي 150 أي بمعدل 100 ألف سنويا ؟؟؟؟ هل هذا ما تريده حكومة فياض العتيدة ؟ هل هذا ما يريده الرئيس أبو مازن ولجنته التنفيذية؟؟
على صانع القرار الفلسطيني أن يسارع إلى تصحيح المسار وإلا نفقد البقية الباقية من طاقة صمودنا، مطلوب دور نزيه وشفاف ومشؤول للقطاع الحكومي ليقود سلسلة من المشاريع الصغيرة بحيث يكون الانتاج لهذه المشاريع في حين يكون التسويق والتصنيع للقطاع الحكومي ، كما يمكن أن يبدع القطاع الحكومي في قيادة العمل التعاوني وخاصة في الزراعة، يضاف إلى ذلك يلزم إعادة رسم الساسة الضريبية بما يكفل إعادة توزيع الدخل والثروة كما يتطلب الأمر إعادة صياغة سياسة الانفاق العامة بما يعمل على مكافحة الفقر والجوع في البلاد ، ومع ذلك سيبقى كل ذلك تبن تذروه الرياح ما لم يتم مسبقا إعادة بناء القطاع الحكومي على قاعدة الوطنية والنزاهة والشفافي والمسائلة وليس على قاعدة المبدع دايتون.
القدس، الأراضي الفلسطينية المحتلة،12 أيلول، 2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق