السبت، 13 أغسطس 2011

البنك الدولي والحكم في الضفة المحتلة:تضليل في المعايير والتحليل .......... د. يوسف عبدالحق


البنك الدولي والحكم في الضفة المحتلة:

 
تضليل في المعاييروالتحليل
                                  د. يوسف عبدالحق          

 
أصدر البنك الدولي في
أوسط أيار 2011 تقريرا بعنوان: "تحسين الحكم الاقتصادي والحد من الفساد/  الضفة وغزة"، وهو في الحقيقه اقتصر حديثه
بشكل أساسي، عن الضفة،  بداية لا بد من
الإشارة إلى ما ورد من إيجابيا في هذا التقرير على قلتها، فقد أشار إلى غياب
الشفافية في إجراءات ونتائج بعض خدمات السلطة بشكل يؤدي إلى معاملة تفضيلية للبعض
دون وجه حق، وقد أشار إلى حصص الاستيراد بأنها تفتقر إلى المعايير والشفافية ولا
استئناف فيها ولا حتى أي تعليل لرفض أو قبول هذا المستورد أو ذاك.  وفي مجال تدفق المعلومات الحكومية أك البنك
حرفيا "
إنه لمن الصعوبة بمكان
إن لم يكن مسنحيل الوصول للمعلومات" وطالب بإصدار قانون أشعة الشمس الذي ينشر
المعلومات الذي يتيح للجميع الوصول اليها بيسر وسهوله. كما أشار إلى عدم النزاهة
في التصرف في أراضي الدولة والسماح لكبار المسؤولين في م.ت.ف بالتصرف فيها
 
وللموضوعية لا بد
هنا  أيضا من الإشارة  بإيجابية إلى ما ورد في تقرير البنك المذكور من نقد  رغم نعومته ولطافته غير
المبرره بخصوص فحص السلامة الأمنية حيث قال التقرير لابد من إعادة النظر فيه أو
توفير الشفافية في القيام به. إن الجميع يدرك أن الفحص الأمني ليس سوى إرهاب
للعقول من انتقاد السلطة وفي نفس الوقت هو قوة حامية للاستئثار بكل شيء في البلاد،
هو باختصار كم للأفواه وتجويع للبطون، فلماذا هذه الملاطفة والنعومة في التقرير
تجاه موضوع خطير ليس فقط على الأعمال وإنما وهو الأهم على حق المواطنة
يرمته؟؟؟؟؟؟؟
 لكن الأهم من كل ما سبق هو حين ندخل إلى الجوهر،
إذ يتضح من العنوان التضليل المقصود حين يفصل الحكم الاقتصادي عن الحكم السياسي
فصلا تعسفيا، كل تقارير البنك الدولي في العالم تربط المعايير الكمية الاقتصادية
بمعيار  الحرية والديمقراطية  وحقوق الإنسان، بل إن تقاريره عن الأراضي
الفلسطينية المحتلة 67 كانت في بعض المراحل تدخل معيار الحكم السياسي في
تحليلاتها، فلماذا اقتصر هذا التقرير على الحكم الاقتصادي فقط ؟؟؟؟  وهنا يقفز للذهن فورا السؤال التالي :كيف يمكن
أن يتطور الاقتصاد الفلسطيني دون الحرية من  قهر الاحتلال الصهيوني!!! هل هذا تطبيق لسلام
نتنياهو الاقتصادي!!! أم أنه محاولة لتمرير مقولة أن ما يجري في الحكم الفلسطيني
السياسي والاقتصادي لا دخل للاحتلال فيه !!! قد يفسر البعض هذا التوجه تفسيرا
بريئا بمعنى أن البنك الدولي قصد إبعاد شماعة الاحتلال والتركيز على تقصير الحكم
الفلسطيني، ولكن مع ذلك كان يمكن للبنك الدولي إذا كان بريئا، أن يتحدث عن دور
الاحتلال التدميري للحكم الفلسطيني من جهة، وتقصير وخطايا الحكم الفلسطيني نفسه من
جهة أخرى.
بيد أن الذي يعزز من
تفسير المقصد غير البريء للبنك الدولي هو ليس فقط استبعاد الاحتلال بل أيضا
استبعاد الجانب السياسي الفلسطيني وقصر الموضوع على الأداء الاقتصادي للسلطة مع
تلميحات هامشية سياسية هنا وهناك. كيف يمكن لنا أن نقبل استبعاد حقوق الانسان في
الحكم الفلسطيني وتأثيره على أداء الحكم في مجال الخدمات ومكافحة الفساد، الجميع
يعرف عن الاعتقال السياسي في حكم رام الله وغزة وهو ما ينم عن تدني خدمات الحكم في
المجال الإنساني. كيف يمكن استبعاد  أثر
فشل النهج السياسي للحكم الفلسطيني وتداعياته على خدمات هذا الحكم؟؟؟ كيف يمكن
قبول اعتبار غياب المجلس التشريعي يشكل فقط مجرد محدوديه كبيره للإشراف المالي في السلطة، إن غياب المجلس التشريعي
ببساطة  يعني ديكتاتورية، لماذا هذه اللغة
الناعم للبنك في مسألة تعتبر جوهر المؤسسية والديمقراطية!!!
تجنب التقرير الحديث عن
واقع العدالة القانونية والتي هي أم وأب الحكم، فقد قيل أن تيؤتشل حين وصله خبر
قصف لندن بالطائرات النازية سأل وزرائه هل القضاء مستر في تطبيق العدالة، أجابه
وزراؤه أجل، فابتسم وقال لنستأنف عملنا، كل مواطن يعرف أن طريق الوصول إلى العدالة
هو طويل طويل طويل يكاد يصل إلى المستحيل، فكيف يمكن للتقرير أن يقول رغم ذلك أن
الحكم الاقتصادي حقق خطوات كبيره في تحسين الحكم الاقتصادي؟؟؟؟
تحدث التقرير عن صندوق
الاستثمار بإيجابية فيما يخص هيكله الإداري الجديد ونشاطه بعد ترك مديره السابق
خالد سلام الذي جعل الصندوق سرا على الجميع،، و لكنه أيضا أشار أيضا إلى  سلبياته في عدم كونه مسؤولا أمام السلطة وفي
أنه يستثمر في مجالات تنافس القطاع الخاص ويقصد دون أن يعلن صراحة، أن معظم
استثمارات الصندوق في الوطن باتت في العقار، ورغم صحة ما ورد في التقرير فإن
الملفت للنظر إهمال التقرير لعجز الحكم  أو
بالأحرى تواطئه في مساءلة مديره السابق ، ثم اتخاذه لمصلحة القطاع الخاص معيارا
للاستثمار الصحيح للصندوق، صحيح أن توجه الصندوق للعقار بشكل رئيسي  هو خاطئ ولكن ليس لأنه ينافس القطاع الخاص
وإنما لأنه يتاجر في بناء العقارات بأسعار عالية لا تخدم سوى الطبقة الموسرة، هذا
من ناحية ومن ناحية أخرى يهمل الاستثمار في الزراعة التي هي الحامية للأرض محور
قضيتنا الوطنية، يشير ذلك بوضوح أن معيار البنك الدولي هي القطاع الخاص، وطبعا
المقصود بذلك هم هوامير المال في البلاد وليس صغار المنتجين،   
 هناك الكثير
يستحق أن يقال في هذا التقرير، ولكن الختام في أكبر نكته مرت في البلاد، حين يستند
التقرير   إلى نتائج مسح حكومي يقول أن 95% من العينة قالت
لا وجود للرشوة في العقود الحكومية، و75% منها قالت لا وجود للعلاقات الشخصية فيها!!
لم يبق إلا أن نقول أن حكمنا هم حكم الملائكة، ثم يقول التقرير في مكان آخر،  أن القطاع الخاص لا يرى أن مستوى الفساد يشكل عقبة
في  طريق التطور !!!! من الطبيعي سيدي
البنك ولي عهد القطاع الخاص، أن يقول القطاع الخاص ذلك، فالفساد مصدره القطاع
الخاص القادر على شراء الذمم في القطاع الحكومي في مقابل حصد المنافع  له وحده لا غير وهو يهتف فليحيا الوطن !!!

 
9/6/2011


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق