الجمعة، 16 أغسطس 2013

عبر الفلاحين ننتزع النصر الفلسطيني.. د. يوسف عبد الحق


 

عبر الفلاحين ننتزع النصر الفلسطيني**
د.يوسف عبدالحق
 
مدخل في العملية الزراعية:
تتلخص العملية الانتاجية الزراعيه في الفلاح والمقصود به هنا صغار الفلاحين والعمال الزراعيين، والطبيعة المتمثلة في الأرض وكل الموارد الطبيعية الأخرى،  والتكنولوجيا، و في الأصل فإن الأرض وجدت قبل البشر فهي بلا شك ملكية جماعية لجميع البشر، أما التكنولوجيا فهي أيضا ملك للإنسان الذي طورها اثناء عمله، وعليه فإن جوهر العملية الانتاجية الزراعية هي العمل والذي يتمثل في الفلاح. وإذا كان بعض الانسان فيما بعد قد جنح لاستغلال أخيه الانسان لظروف متعلقة بضعف القدرة الانتاجية مقارنة برغبات هذا الانسان الجامحة نحو المزيد من الثروة والاستهلاك بدون جهد يذكر وعلى حساب الإنسان الآخر، وذلك من خلال احتكاره للتكنلوجيا التي انتجها خلال عمله، فإن ذلك لا يعطيه الحق مطلقا في الركون إلى الراحة مستغلا ملكيته للتكنولوجيا التي  لم يكن في امكانه انتاجها في الأصل لولا تفرغه للعمل فيها معتمدا على استهلاكه من المنتوج الجماعي من جهة، ومن جهة أخرى فحتى لو انتجها معتمدا على التقشف وفقا لحكاية روبنسون كروزو، فإن هذه التكنولوجيا المادية لا يمكن أن تكون منتجه من تلقاء ذاتها حيث لا بد لها من العامل البشري، وإلا فإنها تبقى مجرد خردة لا تعمل، باختصار فإن ذلك يعني أن العمل البشري المتمثل في الفلاح هو المصدر الحقيقي للانتاج الزراعي.
 
لكن الذي حدث في التطور الانساني أن التقدم الذي تحقق من خلال احتكار راس المال للتكنولوجيا اثر الثورة الصناعية، أدى إلى تغول الرأسمالية التي قامت على فصل ملكية الأرض والتكنولوجيا  عن المنتجين الحقيقيين، وبالتالي استغلال الفلاحين والسطو على انتاجهم من خلال فائض القيمة، والريع بمختلف أشكاله، والتبادل التجاري اللامتكافيء إضافة إلى النهب الاستعماري المباشر للأرض والثروات الطبيعية بل من خلال المستعمرات الاستيطانية والإبادة الجماعية. وقد كانت نتيجة كل ذالك زج الفلاحين في أفران الفقر والجوع  والمرض في جميع أنحاء العالم وخاصة في البلدان المستعمره ومنها البلدان العربية وعلى الأخص فلسطين التي لا زالت ترزح حتى تحت الاستعمار الاقتلاعي الصهيوني الامبريالي.
الفلاحون والإبادة الجماعية الصهيونية
تؤكد شواهد التاريخ الموثقه أن سياسة الاضطهاد الاستعماري للإمبراطوريات الامبريالية الأوروبية المتعاقبة شملت كل الشعوب بمختلف أديانها وعقائدها بما فيها اليهودية. على أن الاستعمار الأوروبي أدرك منذ منذ بدايات القرن التاسع عشر أن العمل على استخدام اليهودية غطاء له في إقامة تكتل بشري استعماري في فلسطين هو رافعة إستراتيجية لأطماعه الاستعمارية في الوطن العربي. وكان نابليون هو أول من صرح بذلك حين خاطب اليهود في 20 ابريل 1799 أثناء حملته على فلسطين  باسم " الورثة الشرعيين لفلسطين" طالبا منهم طالبا منهم الالتحاق بقواته لإقامة دولتهم في فلسطين.
 كما أن وزير الخارجية البريطانية  بالمرستون  أدرك أهمية استخدام اليهودية لتحقيق المطامح الاستعمارية البريطاني وعبر عن ذلك في مذكرته إلى سفير بريطانيا في الدولة العثمانية عام 1840 بخصوص أهمكية العمل على موافقة السلطات العثمانية على توطين اليهود في فلسطين خدمة لمصلحة الدولة العثمانية والبريطانية واليهود وفق زعمه.
وهكذا جاءت ولادة الحركة الصهيونية عام 1897 من رحم الاستعمار الأوروبي مستخدمة بذلك اليهودية لتحقيق مصالح الامبريالية العالمية ضاربة بعرض الحائط بمصالح العرب وفي مقدمنهم الشعب العربي الفلسطيني بل وبمصالح التجمعات اليهودية في مختلف أنحاء العالم من خلال سلخهم عن شعوبهم الأصلية واستخدامهم بالإغراء تارة وبالتهديد تارة أخرى وقودا في  حرب استعمارية عدوانية بشعه ضد الشعوب العربية بعامة والشعب العربي الفلسطيني بخاصة لا زالت نيرانها مشتعلة منذ أكثر من قرن ونصف من الزمان.
  لا شك أن النازية ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية ضد كل شعوب الأرض وضد كل دياناتها بما فيها اليهودية خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن المتابع لسياسة الحركة الصهيونية خلال تلك الفترة يجد أن كل همها انصب لاستغلال هذه الجرائم لتحقيق المصالح الامبريالية في فلسطين من خلال غقامة الكيان الصهيوني ضاربة بعرض الحائط  ما تدعيه من حماية لليهود ومصالحهم. فقد صرح  آنذاك، بن غوريون أول رئيس وزراء الكيان الصهيوني: "  لو كنت أستطيع  إنقاذ جميع الأطفال اليهود من ألمانيا بترحيلهم إلى بريطانيا، أو إنقاذ نصفهم فقط بترحيلهم إلى اسرائيل، لاخترت الثاني"
انطلاقا من كل ذلك تشكلت الحركة الصهيونية ذراعا استراتيجيا للإمبريالية العالمية التي مثلها الاستعمار البريطاني لفلسطين الذي سخر كل جهوده لتمكين الصهيونية من فلسطين من خلال فتح الأبواب للهجرة الصهيونية الى فلسطين فزاد عدد الصهاينة من حوالي 55 آلاف نهاية الحكم العثماني إلى حوالي 650 ألف في نهاية الاستعمار البريطاني،وعمل على تشجيع تدفق راس المال الصهيوني والذي بلغ حوالي 75 مليون جنيه إسترليني في ذلك الحين لا تقل قيمتها حاليا عن 7.5 مليار دولار، هذا بالإضافة إلى تمكينهم من مؤسسات الحكم ومنحهم الامتازات الاحتكارية في الكهرباء والموارد الطبيعية ، وقبل هذا وذاك دعمهم في تشكيل العصابات المسلحه الإرهابية الصهيونية اتي ارتكبت بدعم مباشر من الاستعمار البريطاني الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني قبل وخلال وبعد نكبة فلسطين عام 1948 لتقيم على إثرها دولتها العنصرية المارقه على أشلاء الشعب الفلسطيني حيث ارتكبت وفق ما كشفت عنه المصادر الاتريخية حتى الآن أكثر من 33 مذبحة إبادة جماعية ضد الفلسطينيين ودمرت 531 قرية مما أدى إلى هجرة فسرية  لأكثر من 57%  من سكان فلسطين( حوالي 800 ألف نسم) واستولت على حوالي 78% من الأرض علما بأنها لم تكن تملك في بداية الاستعمار البريطاني أكثر من 6% من فلسطين، ونتيجة للعدوان الصهيوني في حزيران 1967 احتلت القوات الصهيونية بقية فلسطين وسيناء المصرية والجولان السورية، وبالتالي بات الكيان الصهيوني اليوم يسيطر على كل فلسطين في حين هجر مرة أخرى بالإرهاب حوالي نصف مليون فلسطيني.
تشريد الشعب الفلسطيني
وتشير أرقام الإحصاء الفلسطيني  أن عدد سكان جميع الفلسطينيين عام 2010 هو 11 مليون نسمه منهم 4.1 مليون في الضفة والقطاع ، 1.4 مليون داخل الكيان الصهيوني،  والباقي وقدره 5.5 مليون لاجئ  ممن هجروا بقوة الإرهاب الصهيوني سواء في فترة النكبة عام 1948 أو خلال العدوان الصهيوني في حزيران 1967يعيشون في الشتات في المخيمات أو خارجها يضاف لهم اللاجئون المقيمون في الضفة وقطاع غزة وهم حوالي 44% أي نحو 1.8 مليون وكذلك اللاجئون المحرومون من العودة لبيوتهم رغم أنهم يعيشون داخل الكيان الصهيوني وعددهم حوالي 300 ألف نسمة، وهذا بعني أن إجمالي عدد اللاجئين بفعل الإرهاب الصهيوني يبلغ 7.6 مليون أي أن جميع اللاجئين الفلسطينيين يشكلون 69% من الشعب الفلسطيني. ويمكن القول أن أكثر من 70% من اللاجئين الفلسطينيين هم من أصول فلاحيه فقدوا مصدر رزقهم الأساسي وهو أرضهم وزراعتهم، فقد ظلت الزراعة في فلسطينين توفر العيش لثلثي السكان في المتوسط  قبل النكبة وحتى الاحتلال الاسرائيلي عام 1967.
نهب الأرض والمياه
كان الصهاينة لا يملكون قبل النكبة سوى أقل من 8 %  من الأرض الفلسطينية التي أقاموا عليها الكيان الصهيوني( فلسطين 48) والتي تمثل حوالي 78% من جميع فلسطين، في حين كان يملك الفلسطينيون 92% منها ، أما اليوم فقد باتوا الصهاينة ي يملكون بحكم قانون الغاب حوالي93 % ، أي أن فلسطيني 48 البالغ عددهم اليوم نحو 1.5 مليون نسمة أي حواي 23% من سكان الكيان الصهيوني لم يعد يملكون أكثر من 7% أي نحو 1.5 مليون دونم لجميع استخداماتهم السكنية والزراعية والمرفقية.
أما في الضفة وغزة المحتلتين منذ عام 1967 فقد عملت السياسة الصهيونية على  زرعها بالمستعمرات فقد زاد عدد المستعمرين الصهاينه منذ عام 1972 حتى عام 2010 بحوالي 50 ضعفا حيث بلغوا عام 2010 وفقا لمركز الإحصاء الفلسطيني حوالي 518 ألف مستعمر أي حوالي 13% من الفلسطينيين وقد بلغ معدل نمو المستعمرين الصهاينة منذ أوسلو حوالي 3.9 % سنويا وهو ما يزيد عن معدل نمو الفلسطينيين بحوالي 1%،  بل إن معدل نمو المستعمرين الصهاينة قد بلغ  4.9 %  عام 2010 وهو ما يزيد عن معدل النمو السكاني للفسطينيين ب 2% وللصهاينة ب 3% . تشير هذه المؤشرات إلى الخطر الكبير الذي يهدد بجدية إمكانية قيام الدولة الفلسطينية مع استمرارها على ما هي عليه خاصة مع تزايد النهب الصهيوني للأرض الفلسطينية حيث يسيطر الاحتلال الصهيوني أمنيا على حوالي 63% من الضفة و24% من غزة، كما بلغت المساحات التي صادرها الاحتلال الصهيوني لمستعمراته وللطرق الالتفافية في الضفة حوالي 220 ألف دونم، يضاف إلى ذلك النهب الصهيوني للمياه الفلسطينية والمقدر بحوالي 82% وفقا لوزارة الزراعة الفلسطينية.
وثالثة الأثافي في النهب الصهيوني لأراضي الضفة الغربية هو جدار الأبارتهايد التوسعي الذي تضرر منه 171 تجمعا سكانيا والذي صادر أكثر من 49 ألف دونما، في حين بلغت الأراضي المعزوله حوالي 576 ألف كم مربع وعجج الفلسطينيين المهجرين بسبب الجدار 28 ألف، يضاف إلى ذلك عزل ومحاصرة  أكثر من مليون فلسطيني، كما تسبب الجدار بإغلاق حوالي 3400  منشأه.
الخنق الاقتصادي
مارست العنصرية الصهيونية سياسة الخنق الاقتصادي بشكل مخطط وخاصة ضد الفلاحين، ففي المرحلة الأولى للاحتلال الصهيوني وحتى نهاية السبعينات ركزت على سحب العمالة الفلسطيني من الاقتصاد الفلسطيني وعلى الأخص من القطاع الزراعي حيث بات  حوالي ربع إلى ثلث العمالة الفلسطينية تعمل في الاقتصا الصهيوني من خلال أجور أعلى نسبيا من الأجر السائد في السوق الفلسطيني ولكنه لا يتجاوز نصف الأجر في السوق الصهيوني، وقد تمكن الاحتلال من خلال هذه السياسة من تحقيق فائض رأسمالي لاقتصاده من ناحية، ومن ناحية أخرى تفريغ الاقتصاد الفلسطيني وخاصة القطاع الزراعي من العمالة المنتجة الأمر الذي أدى إلى هجر العمل الزراعي وبالتالي تراجع دور  القطاع الزراعي الفلسطيني بحيث انخفض متوسط نسبة السكان الذين يعيشون على هذا القطاع في الضفة الغربية مثلا من حوالي 60%  في عهد الأردن إلى أقل من 40% في ظل الاحتلال.
من واقع هذه السياسة الصهيونية بدأت تتبلور بالتدريج معالم سياسة أكثر عدوانية كان أبرزها التخطيط الاستعماري الاستيطاني الذي كان في المرحلة الأولى خططا سرية  ظهرت على شكل مستعمرات عسكرية أمنية وفقا للإدعاء الصهيوني، لكن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ما لبث أن انفجر بشكل صارخ في المرحلة الثانية منذ نهاية السبعينات وحتى قيام السلطة الفلسطينية، على شكل مستعمرات زراعية وصناعية أخذت تنخر في جذع القطاعين الزراعي والصناعي، وفي نفس الوقت بدأت تتشكل في البلاد حسور التلاقي في المصالح بين بعض المصالح الزراعية والصناعية والتجارية الفلسطينية مع المصالح الصهيونية وهو ما أدى إلى تحطيم القطاع الزراعي الفلسطيني وبالتالي سحق الفلاحين الفلسطينيين وتحويل معظم  القطاعين الصناعي والتجاري الفلسطينيين إلى مجرد اقتصاد من الباطن لصالح الاقتصاد الصهيوني، وقد جاءت روابط القرى وغيرها من التفاهمات الباطنية بين بعض رأس المال الفلسطيني والاقتصاد الصهيوني نعبيرا في ذلك الوقت عن تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الصهيوني،
في المرحلة الحالية في ظل السلطة الفلسطينية واصلت السياسة الصهيونية دون توقف حتى خلال  لحظات العسل الكاذبة القصيرة مع السلطة الفلسطينية في بداياتها، منهجها السابق في نهب الموارد الاقتصادية الفلسطينية وتشديد الخناق على الاقتصاد الفلسطيني وفي مقدمته اقتصاد الفلاحين، فاستعر بناء المستعمرات الصهيونية وتواصل التدمير الاقتصادي المخطط  لترسيخ تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الصهيوني سواء من خلال التخريب الناعم عن طريق التطبيع أو المشاريع المشتركة والمناطق الصناعية والتبادل التجاري غير المتكافئ في ظل برتوكول باريس الاقتصادي، أو من خلال التدمير المباشر بواسطة حواجز الإفقار وحصارات التجويع وهدم البيوت وتحطيم المزارع والمصنع وخاصة منذ انتفاضة الأقصى في سبتمبر 2000  حيث قدرت خسائر الاقتصاد الفلسطيني في ذلك الحين بحوالي 10 مليار دولار أي ما يعادل إجمالي قيمة مساعدات الدول المانحة حتى عام 2005 .
الفلاحون والاستغلال الريعي الفلسطيني
سبق وذكر أن المقصود بالفلاحين هم صغار الفلاحين والعمال الزراعيين، أي الفلاح الذي يعتمد لصالح نفسه معتمدا على عمله وعمل أسرته مضافا له العامل الزراعي الذي تكون ملكيته الزراعية هامشية ويكسب معظم معيشته من العمل الزراعي أجيرا عن كبار الملاك الزراعيين. تبلغ نسبة العاملين في النشاط الزراعي حوالي 13.4 % من  القوى العامله في الضفة وغزة، أي حوالي 141 ألف شخص حسب مسح القوى العاملة ،في حين يبلغ عدد الحيازات الزراعية في حدود 112 ألف حيازة وفقا للمسح الزراعي الذي قام به مركز الإحصاء الفلسطيني في العام 2009/2010  الذي لم تنشر بعد نتائجه الكلية، ويقدر عدد سكان الريف الفلسطيني بما لا يقل عن 45% من سكان الضفة، أما في غزة فالمسألة أكثر تعقيدا لأن سكان المدن الكبيرة مثل غزة وخان يونس يعملون في معظمهم في الزراعة.كذلك لا بد من الإشارة إلى أن كثيرا من سكان الريف في الضفة رغم أنهم يعملون في الزراعة فإنهم يعتمدون في جزء مهم من معيشتهم على الدخول الوظيفية أو المهنية المتخصصة أو حتى على المشاريع التجارية.
الناتج الزراعي
يساهم القطاع الزراعي  بحوالي 6% من الناتج المحلي الإجمالي في حين أنه يشغل حوالي 13.4% من القوى العامله الفلسطينية، وهذا يعني أن إنتاجية العامل الزراعي هي حوالي 41% فقط من متنوسط انتاجية العاملين في القطاعات الأخرى, وتفسير ذلك يكمن في الدرجة الأولى في القمع الصهيوني الشديد الذي يتعرض له الفلاح الفلسطيني والذي يتمثل في النهب الصهيوني للأرض الخصبة وللمياه إضافة إلى ضعف الفلاح الفلسطيني في منافسة المنتوج الصهيوني الذي يتدفق على السوق الفلسطيني بموجب بروتوكول باريس الاقتصادي، فالزراعة الصهيونية تعمل وفق أحدث أنواع التكنولوجيا وتتمتع بحماية ودعم حكومي قوي إضافة إلى حجم التمويل غير المحدود المتاح لها بفعل الدعم الامبريالي الهائل للكيان الصهيوني.
في المقابل نجد  الفلاح الفلسطيني يخضع لسياسة فلسطينية يحكمها اقتصاد الريع بشتى أنواعه، الريع العقاري ، الريع الحكومي، الريع التجاري ، وإضافة إلى كل ذلك نجد الاقتصاد السمسري( من سمسرة) يثخن جراح الفلاح في سعيه للمال بأي ثمن، فنجده يحول المنتج الصهيوني إلى فلسطيني ليبيعه في السوق الفلسطينية بل وحتى في الأسواق العربية، بل هو على استعداد أن يشوه المنتج الفلسطيني بخلطه بمنتج شبيه سيئ ويبيعه باسم فلسطين مما يضعف قدرة التسويق لدى الفلاح الفلسطيني وهو ما حدث مع زيت الزيتون الفلسطيني.
 وحتى حين نتحدث عن العمولات في الأسواق الفلسطينية نجد أن الفلاح لا يحصل على أكثر من 40 % من سعر السوق للمستهلك وهو ما لا يغطي في كثير من الأحيان تكلفة جني المحصول فيضطر الفلاح لترك محصوله طعاما للحيوانات كما يحدث مع الباذنجان. بل إن نصيبه المذكور يتعرض مرة أخري للنهب حين نأخذ بعين الاعتبار أن صغار الفلاحين يضطرون للإقتراض بفوائد فاحشة من السماسرة مما يخفض نصيبهم من سعر المستهلك إلى الثلث أو أقل. وكثيرا ما يتعرض سوق المنتوجات الزراعية إلى الانهيار بسبب غياب مؤسسات وطنية كفوءة شفافه متخصصة في التسويق وهذا ما حدث في سعر زيت الزيتون قبل سنتين حين انخفض سعر كغم الزيت إلى حوالي 2 دةلار في حين لا تقل تكلفته وفقا لرأس المال المستثمر عن 8 دولار أمريكي.
صحيح أن تكلفة الانتاج الزراعي في فلسطين غالبا ما تكون أعلى من الأسعار العالمية، لكن هذا ليس ذنب الفلاح بل هو نتيجة حتمية لتشويه العملية الإنتاجية و العملية التسويقية بسبب الاحتلال الصهيوني من جهة ومن جهة أخرى بسبب السياسة الاقتصادية الريعية والسمسرية التي تحكم الاقتصاد الفلسطيني لدرجة وصلت معها هذه السياسة إلى أن تعدل قانون ضريبة الدخل بحيث يصبح الدخل الزراعي خاضعا لضريبة الدخل في وقت نرى فيه الدعم السخي يقدم للقطاع الزراعي من دول عظمى مثل الولايات المتحدة وفرنسا  بل وحتى من الكيان الصهيوني نفسه.
ومن جانب آخر نجد الفلاح الفلسطيني نتيجة كل ذلك معدما من حيث القدرة الاستثمارية بحيث لا زال يحرث أرضه بحيوانت الجر كما كان يفعل أسلافه قبل آلاف السنين في حين نلاحظ الحكم الفلسطيني القائم على تحالف رأس المال الريعي والسمسري يغرق في وهم تأسيس صناعات منافسة في السوق العالمي رغم الاحتلال الصهيوني ويقف مكتوفا أمام معانات الفلاحين المريره  جون أن يحرك ساكنا وهو يرى الأرض الزراعية تهجر وتترك بورا باستثناء حرصه على التقاط الصور التذكارية معهم في مناسبات التين والزيتون.
 
عبر الفلاحين ننتزع النصر     
 
على ضوء  كل ما سبق يمكن القول أن الحركة الفلاحية في فلسطين هي منبع الطاقة الوطنية للتصدي للاحتلال باعتبارها تمثل الأرض والإنسان محل الصراع الفلسطيني والعربي/ الصهيوني من جهة، ومن جهة أخرى هي الطاقة الوطنية القادرة على  هزيمة السياسة الاقتصادية الريعية والسمسرية وبالتالي تحقيق العدالة الاجتماعية قي الحكم الفلسطيني. وحتى يتم تفعيل هذه الطاقة علينا في البداية العمل الجاد والمتراكم  لإحداث تغيير جذري في السياسة الاقتصادية للحكم الفلسطيني بحيث يصبح جوهرها الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ومشاركة القطاع العام بعد تنظيفه من كل أشكال الفساد في العملية الإنتاجية إلى جانب القطاع الخاص بحيث يكون القطاع العام هو القائد والقطاع الخاص هو الرائد، هذه مسألة جوهرية شامله للوطن بكامله ويقع عبئها على عاتق جميع القوى الديمقراطية التقدمية في فلسطين دون انتظار أي مساعدة من  القوى الريعية والسمسرية بل على النقيض  من ذلك حيث سنجد هذه القوى تقاتل بشراسة عن مصالحها وامتيازاتها غير المشروعه .
إلى جانب النضال الديمقراطي المذكور أعلاه، من الطبيعي أن تستشعر  جميع المؤسسات الأهلية الديمقراطية التقدمية العامله في المجال الزراعي،  مسؤولياتها الأساسية في تحفيز الطاقات الكبيرة للغلاحين من خلال ما يلي:
1- العمل الجاد على تجميع هذه المؤسسات في إطار تحالفي موحد لبناء حركة فلاحية وطنية تكون القاعدة الاقتصادية للصمود الوطني. فالصمود العقيقي لا يتم إلا بصمود اقتصادي متين. وتكون مهمة هذا التحالف تأطير الفلاحين للدفاع عن  أرضهم ووطنهم وللتصدي للسياسات الفلسطينية في الريع والسمسره.
2- لبناء قاعدة للصمود الاقتصادي للفلاحين يلزم أن يقوم الإطار التحالفي المذكور في بند  بإنشاء مؤسسة متخصصة ذات كفاءة  وشفافية عاليه للتسويق لقطاع الفلاحين
3- يلزم من الإطار التحالفي مشاركة الفلاحين في مشاريع زراعية على أساس " التشاركيات الجماعية" من خلال إنشاء صندوق تمويلي لدعم الفلاح لا يقل راسماله عن 100 مليون دولار كبداية وهو مبلغ يمكن جمعه بسهولة من رأس المال الفلسطيني والعربي توفرت قيادة منتمية بكفاءة قديرة وصدقية عالية،  وذلك من أجل تمويل 10% من الحيازات الزراعية الفلاحية أي نحو 10 آلاف حيازة بمعدل 10 آلاف دولار للحيازة بحيث يساهم الفلاح  بنسبة بسيطة من رأس المال لا تزيد عن 10 % في حين يحصل مقبل ذلك ومقابل عمله في التشاركية على نسبة كبيرة لا تقل عن 80% من العائد الزراعي الصافي في حين يكون معظم التمويل من التحالف مقابل نسبة متواضعة لا تزيد عن 10% من العائد الزراعي الصافي.
4- يلزم أن يقوم هذا الاطار بتوسيع ساحة المواجهة مع العنصرية الصهيونية وكذلك تشديد الضغط على السياسة السمسارية الريعية الفلسطينيه من خلال التنسيق والتعاون مع جميع المؤسسات والقوى الديمقراطية التقدمية التي تشاركنا فهمنا  لطبيعة العنصرية الصهيونية والاستغلال الاقتصادي الامبريالي.
 
 
******************************************
 
 ** ورقة بحثية قدمت في مؤتمر فيا كامبسينا( عبر الفلاحين) الذي عقد بالتعاون بين  اتحاد لجان العمل الزراعي ومنظمة الفلاحين العالميه  في كلية العروب التقنية، دولة فلسطين المحتلة، نوفمبر 2011  
 
 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق