الأربعاء، 11 يونيو 2014

حكومة وفاق أم حكومة مقايضة !!! د.يوسف عبدالحق



حكومة وفاق أم حكومة مقايضة !!!
                                                د.يوسف عبدالحق

بداية وحتى لا تنفلت أبواق المنتفعين منهم من قضى وتره ومنهم من ينتظر، أقول ليكون الجميع على يقين تام، بأنني وغيري من ملايين الشعب الفلسطيني يرى في الانقسام ويلا ثبورا ليس فقط على الشعب وقضيته بل وحتى على كل وطني فلسطيني  ، وعليه فلا يوجد وطني فلسطيني واحد لم يعمل قدر استطاعته لانهاء الانقسام ولم يعتمر عقله وقلبه في الأمل الصادق في التفاهم الذي تم بين قيادتي فتح وحماس على تشكيل الحكومة الحالية.
 
بيد أن تفاؤل الارادة وحده والذي سبقت الاشارة له، في تحليل وفهم التحديات الأساسية لا يكفي ،بل لا بد ان برتبط ويستند الى تشاؤم العقل. يقول تشاؤم العقل هل هذا الوفاق المذكور عالج اساسيات الخلاف بين القيادتين المذكورتين والتي كانت كل قيادة تطرحها في وجه الأخرى؟ قيادة حماس طرحت أن قيادة فتح بنهجها الأوسلوي التفردي تضرب القضية الفلسطينية في العمق، وتدمر بنية الحركة الوطنية الفلسطينية  الأمر الذي يستلزم من هذه القيادة التراجع عن هذا النهج جذريا. في المقابل طرحت قيادة فتح أن قيادة حماس بنهجها الديني التفردي تضرب القضية  الفلسطينية في العمق وتدمر الحركة الوطنية الفلسطينية الأمر الذي يستلزم من هذه القيادة التراجع جذريا عن هذا النهج، وفي ظني أن كلا الطرحين حق، ولكن هل كل من القيادتين أرادت الحق من طرحها؟؟ ثم هل تراجعت أي من القيادتين عن نهجها في عملية تشكيل حكومة الوفاق؟؟
 
لندع التحليل يبدأ من السهل الممتنع وهو التفرد، تشاركت قيادتي فتح وحماس فقط  في بناء الحكومة، وهذا يعني أن كل منهما تخلى عن تفرده جزئيا تجاه الآخر وقبل بالتشاركية الثنائية، ولكن في نفس الوقت أسست حكومة الوفاق الى تفردية أشد في تغولها وأمتن في تحكمها ، تجاه الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني، ذلك أن الحكومة ستمكن الطرفين من اقتسام الكعكة بما يرضي الطرفين دون اي اعتبار للمصالح العليا للشعب الفلسطيني في العدالة والمساواة والكرامة، وبالتالي سيكون سلاح الاستئثار والتنفيع والفساد والافساد على سبيل المثال أقوى وأمضى في مواجهة الشعب مما كان سابقا باعتباره هذه المرة سيكون مغطيا بقوة حكومة ثنائية التفرد بين القيادتين.
أما في جانب النهجين السياسين لكل من القيادتين  (الأوسلوي لقيادة فتح  والديني لقيادة حماس) سيندفع البعض ليقول أن هذا الخلاف سيتم علاجه في اللجنة القيادية لتفعيل م.ت.ف، وقد يكون ذلك صحيحا، ومع ذلك فإن استشراف القادم اعتمادا على التحليل الموضوعي  يؤكد أن القيادتين ليس لديهما حاليا اي جدية في استبدال نهجيهما، ذلك أن استبدال النهج يستلزم بداية الرغبة والقدرة لدي القيادتين  لتوفير المستلزمات الأساسية  لاستبدال نهجهما، وبقراءة الواقع يتضح أن القيادتين ليس لديهما الرغبة ولا القدرة حاليا على توفير ذلك بدليل تاريخ كل قيادة إضافة الى طبيعة أشخاص وزراء الحكومة، وبالتالي فأن النتيجة في اللجنة القيادية للتفعيل يرجح ان تؤدي الى استمرار كل قيادة في نهجها مع اقتسام سلطة م.ت.ف كما اقتسام الحكومة بما يرضي الطرفين بعيدا عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني الأمر الذي يعني أن هذا الوفاق الثنائي لن يخلق مناخا ملائما لخلق قوة الوحدة الوطنية في مواجهة عدوان التحالف الامبريالي الصهيوني المتغول ،بقدر ما يخلق فرصة لكل طرف للنمو على حساب الآخر.

ولعل القول بان ما تم هو حكومة مقايضة لا حكومة وفاق، هو تعبير لا يتجاوز الموضوعية في التحليل، فقد قايضت قيادة حماس حاجتها للمعابر المصرية مقابل مشاركة قيادة فتح في اقتسام السلطة، في حين قايضت قيادة فتح حاجتها للغطاء السياسي في استمرار المفاوضات الفتاكة مقابل مشاركة حماس في اقتسام السلطة وهو ما يعني حصد المنافع لكل طرف بعيدا عن المصالح الوطنية العليا للشعب والوطن، وبالتالي فرغم التحسن البسيط في الموقف الفلسطيني نتيجة هذه المقايضة في المدى القصير، فان الوضع على المدى المتوسط سيكون أسوأ أمام التغول الاستعماري العنصري الاسرائيلي. ولعل الرضوخ في الحكومة لتهميش أو إلغاء وزارة الأسرى تحت الضغط الامبريالي الصهيوني هو مؤشر غاية في القتامة في ظل معركة التصدي للاعتقال الاداري التي تقوم اساسا على الأمعاء الخاوية منذ أربعين يوما والجميع يجلس أمام الهاتف مطالبا أو منتظرا  منفعة من هذه الحكومة او من حواشيها.
في ظل ضوء السراب المزوغ للبصر، يبقى شعاع أمل كامن في مفهوم القوى اليسارية والديمقراطية يضرب جذوره في الجماهير الشعبية وشخصياتها المناضلة مما يستلزم من هذه القوى وبخاصة الجبهة الشعبية لما لها من موروث نضالي في المبادرة والتصدي للأزمات، اطلاق شعاع التجمع اليساري الديمقراطي على أساس إعادة بناء م.ت.ف على اساس برنامج مجتمعي وطني تنظيمي بقوم في شقه المجتمعي على الديمقراطية والتعددية وحرية الاعتقاد والمساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، وفي شقه الوطني على الدفاع عن الحقوق المشروعة والثابتة غير القابلة للتصرف في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة وفي شقه التظيمي على انتخابات حرة ديموقراطية للمجلس الوطني الفلسطيني من قبل الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده وذلك وفق التمثيل النسبي الكامل. إن تشكيل أوسع تحالف يساري ديمقراطي وفق ما سبق  ليس خيار  فحسب بل هو ضرورة تاريخية ملحة ستكون معيار التاريخ الفلسطيني في مساءلة القوى اليسارية الديمقراطية.       
نابلس 3/6/2014

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق