د. يوسف عبدالحق
يعلمنا الاقتصاد السياسي أن كل حكم رقي أو إقطاعي أو رأسمالي أيا كانت أدوات الحكم التي يستخدمها قبلية كانت أو عسكريتارية أو حزبية يفرز باستمرار قيما أخلاقية زائفة ثقافية أو دينية أو قبلية أو وطنية لتبرير مصادرته غير المشروعة لحقوق المحكومين ومصالحهم وآمالهم الحقيقية بهدف تعزيز قبضته على السلطة خدمة لأهدافه الخاصة الاقتصادية والسياسية. ينطبق ذلك على الكيانات المستقلة أو التي ترزح تحت الاحتلال أو حتى الحكم الاستعماري. نجد مثلا أن النظام الرأسمالي مجد منذ البداية الحرية الفردية تمكينا له من نهب القوى العاملة المنتجة فالغني حر في أن يستثمر ما يشاء ويراكم الثروة كما يشاء، وأما الكادح فهو أيضا حر فيما يشاء علما بأن حريته لا تتعدى حرية الاختيار بين العيش تحت إستغلال راس المال أو العيش ميتا من الجوع. والاستعمار طرح تعمير وتحضير الشعوب البدائية( شعوب المستعمرات) كما إدعى وتعمير أراضيها فكانت النتيجة قهر هذه الشعوي ونهبها بل وإرتكاب الإبادة الجماعية بحقها. والامبريالية العالمية تطرح اليوم ما تدعيه من مكافحة ما يسمى بالإرهاب وحماية الحرية وحقوق الانسان وفي نفس الوقت ترتكب أبشع الجرائم الانسانية في شعوب العالم الثالث بل والإبادة الجماعية بحق هذه الشعوب كما يحدث في فلسطين من أجل تعظيم ثرواتها وحماية مصالحها بصرف النظر عن مباديء الحرية وحقوق الانسان التي تتغنى بها ليل نهار. ينطبق ذلك على الحكم في العالم الثالث وإن كان بدرجات متفاوتة، إذ نجد دوما كليشهات جاهزة مثل المصلحة الوطنية العليا، الأمن القومي، مصلحة الفقراء، التنمية والاستثمار، القيم الدينية، ومواجهة العدوان يطرحها الحكم لتبرير تفرده في الحكم و قمعه لشعبه خدمة لمصالح قيادة الحكم قبلية كانت أو عسكرتارية أو حزبية أو دينية وتركيم الثروة والامتيازات والمنافع لصالحها.
يتذكر المرء هذا الفهم حين ينظر إلى الحكمين الفلسطينيين في الضفة وغزة وهو يسمعهما يستخدمان كليشهات شرعية م.ت.ف في حكم الضفة وشرعية المقاومة في حكم غزة. منذ أوسلو بل وقبل أوسلو تعرضت م.ت.ف لعملية تفريغ لجوهرها بشكل ممنهج تمهيدا لدفنها واستبدالها بالسلطة تمشيا مع جوهر النكبة الفلسطينية الثانية في أوسلو وسمعنا جميعا كليشهات بناء الدولة المستقلة، بناء الآقتصاد الوطني وسنغافورة العرب ، تم كل ذلك ويد القمع تطال كل من يناقش في مدى سلامة هذه الأطروحات ولعلنا لا زلنا نذكر إعتقال عشرات من شباب الشعبية وغيرها من الحركات الفلسطينية بل وقيادات من الشعبية وقيادات فلسطينية أخرى من أهمهاجماعة بيان العشرين ثم بلغ القمع ذروته باعتقال أمين عام الشعبية سعدات والتواطؤ بالصمت الفعلي على إختطاف الاحتلال له من أريحا رغم حماية الاتفاقية الدولية المعقودة بين السلطة والولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني، وفي نفس الوقت كانت جيوب أهل الحكم وأعوانهم وحلفائهم من هوامير المال إضافة إلى السماسرة ممن إرتبطت مصالحهم بمصالح الاحتلال يكدسون الثروة والمنافع والامتيازات دون حسيب أورقيب، ويكفي للتدليل على ذلك تقرير هيئة الرقابة العامة بعد أقل من ثلاث سنوات من عمر السلطة الذي كشف عن بعض عمليات الفساد المالي بقيمة تزيد على 360 مليون دولار التي طويت صفحتها بشكل مسرحي مكشوف.
نتيجة كل ذلك جاءت حماس بانتخابات حرة ديموقراطية مستخدمة كليشهات المقاومة والاصلاح والتغيير ، وفجأة بدأ الحكم الفلسطيني يستخدم شرعية م.ت.ف في وجه حماس وهي كلمة حق يراد به باطل يتمثل في حماية مصالح الحكم في الثروة والسلطة، وما أن تورطت حماس في الحسم العسكري للحكم في غزة حتى ضجت مكاتب الحكم في الضفة منادية بحماية شرعية م.ت.ف، فاعتبرت حماس تنظيم غير مشروع واندفعت أجهزة الأمن تعتقل كل من يدافع عن حماس وتقمع كل من يطالب بحماية الحريات العامة إلى حد بلغت فيه شراسة الأمن أن تقمع المسيرات السلمية للدفاع عن الديموقراطية وضد الاعتقال السياسي، وتطلق عليها النار وتنال بالضرب قيادات من الشعبية والحركات الفلسطينية الأخرى. يتغنى الحكم في الضفة بشرعية م.ت.ف ويدعي أن الاعتقالات والتعذيب للمعتقلين في سجون السلطة والذي أودى بموت أكثر من حالة تتم حماية لشرعية م.ت.ف، بل إن الحكم في الضفة وقف متفرجا والمجزرة الصهيونية تحصد أرواح شعبنا في غزة االصمود والتحدي لمدو 3 أسابيع متتالية بل هو تجاوز ذلك حين قمع بشدة كل المسيرات الشعبية في الضفة التي إنطلقت ضد الاحتلال الاسرائيلي خلال المجزرة، و في نفس الوقت كان ينعف الأموال هنا وهناك ، مع تزايد حدة أنياب الفقر نهشا في جماهير الشعب الكادحة ، كل ذلك على أنغام العزف الموسيقى لسمفونية دايتون، فهل هذا يمكن أن يقنع أحد بأن ذلك يتم حماية لشرعية م.ت.ف؟؟
أما عن حكم حماس في غزة فحدث ولا حرج، بداية بعد فوز حماس في الانتخابات في يناير 2006 ، رفضت حماس الاعتراف بـ م.ت.ف كإطار للشعب الفلسطيني دون الاعتراف بقراراتها الموافق على أوسلو وبناتها وحفيداتهاو ذلك على قاعدة الاصلاح والتغيير والمقاومة ، ومع ذلك وبعد أقل من 6 أشهر وتحديدا في أوائل حزيران 2006 وافقت قيادة حماس على وثيقة الوفاق الوطني التي تعترف فيها بشرعية م.ت.ف وبشرعية رئيسها في قيادة عملية التفاوض بل وتحترم إلتزامات م.ت.ف. السابقة فيما بعد عند توقيعها على إتفاق مكة في أولئل شباط 2007 ، الذي بموجبه شكلت مع قيادة فتح حكومة محاصصة .في الحكم مارست قيادة حماس تقاسم الثروة والسلطة، فقد عملت خلال أقل من سنة ونصف على حشو السلطة الفلسطينية بآلاف الموظفين من أنصارها حيث قدرت أعدادهم بحوالي ثلث كل موظفي السلطة فبل فوز حماس وشكلت لها القوة التنفيذية في مواجهة الأمن الفلسطيني التابع لقيادة فتح، وأغمضت أعينها عن محاسبة الفاسدين وتطبيق الإصلاح وتوغلت في إقتسام الغنائم مع قيادة فتح وذلك بدلا من ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المهنية الوطنية في كافة المؤسسات المدنية والأمنية، تم كل ذلك وحماس تتغنى بالاصلاح والتغيير والمقاومة مع التقدير والإجلال لكل الدماء الزكية لعناصرها المقاومة.والملفت للنظر أن الأمر الوحيد الذي أقدمت عليه قيادة حماس وهي ترفع شعار المقاومة والتغيير والإصلاح هو محاولة أسلمة السلطة حيث صدرت تصريحات قيادتها بعد الانتخابات مباشرة بأنها شكلت لجنة دينية لأسلمة القوانين كما قام وزير التربية والتعليم في حكومة المحاصصة بمحاولة أسلمة التعليم من خلال زيادة حصص الدين وتقييد توفير الكتب الثقافية من خلال المحاولة الفاشلة بإعدام كتاب ثقافي بعنوان" قول يا طير"، وقد تأكد هذا التوجه حين إجتمعت الكتلة النيابية لحماس قبل المجزرة الصهيونية لغزة بحوالي أسبوع لبحث أسلمة قانون العقوبات.
وفي أثناء حكومة المحاصصة وتحت شعر المقاومة بدأ الاقتتال الفلسطيني للسيطرة على السلطة والثروة إلى أن توقف بقيام قيادة حماس بالحسم العسكري في غزة أواسط حزيران 2007، وهنا بدأت عمليات حصد المنافع والثروة والتي تجلت باحتكار الأنفاق وعوائد الوقود( قدرت بحوالي 3 مليون دولار يوميا) و باستغلال كل ما يمكن إستغلاله خلال الحصار الذي فرضه التحالف الصهيوني الامبريالي على قطاع غزة منذ فوز حماس، وقد صاحب ذلك سياسة منهجية للقمع طالت المسيرات السلمية للدفاع عن الحريات العامة إضافة إلى اعتقال وتعذيب كل من يدافع عن فتح بل واعتقال الشباب والقيادات من الحركات الفلسطينية الأخرى لموقفهم المناهض لهذه السياسة . والغريب أن قيادة حماس إستخدمت نفس كليشهات حكم الضفة في التصدي لكل من يحاول خرق التهدئة التي إتفقت عليها مع الكيان الصهيوني عبر مصر في أواسط يونيو 2008، بل هي مارست نفس سياسة القمع والتعذيب والتخوين لكل من يحاول مقاومة الاحتلال فاعتقلت واعتدت بالضرب على بعض الشباب من الشعبية ومن فصائل اخرى لمحاولتهم مقاومة الاحتلال كما أغلقت إذاعة صوت الشعب القريبة من الشعبية أكثر من مرة لمواقفها ضد الاعتقال السياسي وضد التهدئة. والمحزن أن تواصل قيادة حماس أثناء المجزرة وبعدها نهج الاستئثار بالثروة والسلطة، يقول الدكتور عصام حجاوي إخصائي العيون وعضو مجلس إدارة لجان العمل الصحي الذي عمل لمدة 8 أـيام مع لجان العمل الصحي في قطاع غزة بعد وقف إطلاق النار، في محاضرته التي ألقاها بعد عودته بتاريخ 16/2 في المنتدى التنويري في نابلس أن الأطباء الذين شاركوا في إضراب غزة هربوا من منازلهم خوفا من القمع وبعضهم أغلقت عياداتهم وفرضت الإقامة الجبرية عليهم ، ويكفي أن يعبر الشخص عن إجتهاد في تعبير إنتصار أو غير إنتصار حتى يجد نفسه معرضا للقمع تحت تهديد السلاح، بل يكفي أن يكون شقيقه من أنصار قيادة فتح ليجد نفسه تحت القمع والاضطهاد، حرية التعبير غير متاحة وكل أنصار فتح يعيشون تحت رعب القمع ، كل ذلك يتم تحت كليشهات المقاومة، فهل يمكن للشعب أن يقاوم تحت سياط القمع؟؟؟؟؟؟
بمرارة شديدة أقول لقيادتي فتح وحماس : ليس هكذا تورد الإبل يا سعد!!! لا للإحتماء بشرعية م.ت.ف أو بشرعية المقاومة لتغطية مشروع كل منكما بشرعنة الاستئثار بالسلطة والثروة، ذلك أن م.ت.ف والمقاومة هي شرعية واحدة تتمثل في شرعية إرادة الشعب الفلسطيني في التحرر الوطني
الديموقراطي الاجتماعي، فهل نتعظ قبل أن يفوت الأوان، لست أدري ؟؟؟؟؟؟
القدس، الأراضي الفلسطينية المحتلة، 10تشرين الأول، 2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق