كل من يتابع حركة الشعوب والأمم في العصر الحديث يدرك أن انتصار العدالة يتم فقط بحشد القوة المركبة من الروافع الاقتصادية والسياسية والعسكرية بل أحيانا وفي ظروف خاصة تنتصر العدالة بالقوة الاقتصادية والسياسية فقط كما حدث في الهند. أدعي هنا أن الشعب الفلسطيني رغم تضحياته الجسام لم تحسن قيادته حشد وتفعيل القوة الاقتصادية والسياسية المتاحة له وطنيا وعربيا وإسلاميا وإنسانيا للدفاع عن حقوقه، وليس أدل على ذلك من كارثة أوسلو التي خلقنها هذه القيادة بأيديها تخريبا في كل منجزات شعبنا فانطبق عليها القول المأثور " يداك أوكتا وفوك نفخ".
من الطبيعي أن يعاني الشعب الفلسطيني بكل مكوناته وبخاصة غالبيته المقهورة من ويلات هذا الخراب الأوسلوي المرير الذي طال في تخريبه جوهر القضية الفلسطينية المتمثل في حق العودة الأمر الذي يستلزم من الجميع إعمال الإبداع في مختلف مجالات العمل ومنها النضال الاقتصادي السياسي لحماية حق العودة من أزلام الردة ، إذ يلاحظ أن نار المرتدين فلسطينيين وعربا باتت تنهش في حق العودة دون أي محاسبة أو مساءلة في ظل صمت فلسطيني رسمي مريب والمثل الشعبي يقول " إن السكوت علامة الرضا" ، وقد تمادت موجة الردة مؤخرا بما نشر عن تعديل في المبادرة العربية يشطب حتى النص الهزيل لحق العودة الوارد فيها.
إذا نحي جانبا العدوان الصهيوني الامبريالي المباشر عن التحليل هنا باعتباره عاملا معاديا ثابتا في موضوع حق العودة، يمكن للمتابع لتطور حركة الردة عن حق العودة أن يلحظ بوضوح تام أهمية الدور الخطير الذي لعبه ولا زال يلعبه النهج الاقتصادي السياسي التخريبي لأزلام الردة عن حق العودة طيلة أكثر من 61 عاما والذي تمثل من جهة في استخدام المال السياسي سواء في مجال مشاريع التوطين، أوالتدجين بالمنح والمساعدات للرسمية العربية والفلسطينية، أو سلاح التجويع، أو إغراء التعويض أو عملية التنفيع لحفنة متساقطة من هنا وهناك، ومن جهة أخرى في استخدام سياط الحكم لتدجين الإرادة الشعبية العربية وفي المقدمة منها الإرادة الشعبية الفلسطينية.
أظن أنه لا بد اليوم وقبل فوات الأوان أن تراجع الحركة الوطنية الفلسطينية والعربية مسيرتها في مختلف المجالات وخاصة وبأولوية عالية جدا منهجها الاقتصادي السياسي في حماية حق العودة، فحق العودة بالرغم من أنه يتمتع نظريا بأقوى عوامل التحصين من ناحية المشروعية تطبيقا لقرار الأمم المتحدة 194 وميثاق الأمم المتحدة و مبادئ حقوق الإنسان والعدالة والإنصاف الطبيعي‘ فإنه في نفس الوقت يتعرض اليوم لأخطر عملية تخريب ممنهجة بقصد شطبه من خلال وضع الشعب الفلسطيني بموجب وسائل التخريب الاقتصادية السياسية المشار إليها بين نارين : نار حق العودة في التشرد والعذاب والضياع باعتباره أمرا مرفوضا قطعيا من الاحتلال الإسرائيلي ، ونار كيان فلسطيني بدون حق العودة أيا كانت صيغة جوهر هذا الكيان وحدوده ومضمونه ، وفي ظل هذا التخيير الفاسد يدعي أزلام الردة أن نار شطب حق العودة مقابل إقامة الكيان الفلسطيني الموهوم هو الأهون،
وفي الحقيقة فإن نار الكيان مع شطب حق العودة هي جهنم الشعب الفلسطيني ذلك أن شطب حق العودة يعني شطب ثلثي الشعب الفلسطيني من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن السياسة الصهيونية بمجرد موافقة الجانب الفلسطيني على شطب حق العودة لن تعترف بأي حق فلسطيني آخر سوى حقه في عيش العبودية تحت الاحتلال أو حقه في التشرد عبر الفيافي والقفار وليس أدل على ذلك من برنامج العمل لحكومة نتنياهو الذي أكد رفضه للدولة الفلسطينية أيا كان جوهرها حتى قبل الموافقة الرسمية العلنية الفلسطينية والعربية على شطب حق العودة، ولا أخالني مبالغا في شيء إذا قلت أنه إذا ارتكب الحكم الفلسطيني والعربي جريمة شطب حق العودة أن تطالب السياسة الصهيونية بجزء من الأردن ليس كوطن بديل للفلسطينيين وإنما كجزء من السيادة الإسرائيلية بحكم التثبيت السياسي الأردني البابوي لقبر النبي موسى في الأردنّّ خلال زيارة البابا الأخيرة.
من المناسب في ظل هذا الخطر الداهم على حق العودة أن تتنادى جميع أطياف الحركة الوطنية الفلسطينية الليبرالية والإسلامية واليسارية لتحصين حق العودة من المساومات والمزايدات المحلية والعربية والدولية باعتباره خطا أحمرا لا يخرج عنه فلسطيني إلا مجرما، وحيث أن تحقيقه يحتاج إلى نضال طويل النفس فإنه يلزم تشكيل قيادة شعبية جماعية موحدة لحماية حق العودة وتعزيزه من خلال ما يلي:
1- تشكيل صندوق مالي مستقل خاص بحق العودة وذلك بهدف مواجهة تخريب المال السياسي لأزلام الردة. ولا بد من الانتباه أن يكون المورد الأساسي للصندوق هو التبرعات الشعبية العربية وفي مقدمتها الفلسطينية.
2- العمل بأقصى طاقة ممكنة لرعاية اللاجئين الفلسطينيين أينما وجدوا.
3- العمل على حشد الفلسطينيين في كافة مواقع تواجدهم في مؤتمرات شعبية محلية لحماية حق العودة يتوج بمؤتمر شعبي وطني عام كل 4 سنوات.
4- العمل على عقد مؤتمرات شعبية عربية قطرية لحماية حق العودة يتوج بمؤتمر شعبي عربي قومي كل 4 سنوات.
5- العمل على عقد مؤتمر شعبي دولي للحركات والفعاليات الشعبية الصديقة الدولية بحيث يعقد هذا المؤتمر كل 4 سنوات.
6- إقامة متحف فلسطيني مركزي للنكبة ونصب تذكارية لمحارق الفلسطينيين التي إرتكبها الصهاينة في كل المواقع الفلسطينية والعربية.
7- العمل على ملاحقة كل صهيوني من مرتكبي المحارق الفلسطينية في المحاكم والمؤسسات والهيئات الدولية .
هذه بعض الاجتهادات أوردتها فقط لفتح الباب أمام التفكير الفلسطيني العميق علني أكون قد ساهمت ولو بحرف في حماية الحق الفلسطيني المقدس: حق العودة.
القدس، 16 أيار، 2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق