الأربعاء، 23 سبتمبر 2009

أوباما يقول: هيك مزبطة بدها هيك ختم

د.يوسف عبدالحق



أتاح انتخاب أوباما رئيسا للولايات المتحدة فرصة للجانب الفلسطيني العربي لأول مرة في تاريخ الدور الأمريكي في الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني لإحداث تغيير مهم في الموقف الأمريكي الداعم بشكل مطلق للعدوان الإسرائيلي على فلسطين والعرب، ذلك أنه بالرغم من بعض المواقف الأمريكية السابقة التي ظهرت هنا وهناك في بعض التصريحات الأمريكية ( كارتر والرئيس بوش الأب، كلينتون) والتي كانت آثارها لا تتعدى نسمات الهواء المنطلقة من نطقها حيث لم تجد ترجمة فعلية لها على ارض الواقع بتاتا، فقد عكست تصريحات أوباما منذ البداية فهما أفضل من كل من سبقه من الرؤساء الأمريكيين للمصالح الأمريكية في الوطن العربي بحكم اطلاعه العميق على أبعاد الصراع الفلسطيني العربي ليس فقط من حيث عدالة القضية الفلسطينية العربية وإنما وهو الأهم، من حيث الآثار السلبية العميقة والبعيدة المدى للدعم الأمريكي المطلق للعدوان الإسرائيلي المستمر في الوطن العربي طيلة قرن ونيف، على المصالح الأمريكية.

لاحت مؤشرات موقف أوباما بداية في محاولته الفاشلة في تعيين السفير السابق تشاس فريمان رئيسا لمجلس المخابرات القومي حيث قام الأخير بسحب ترشيحه تحت تأثير ضغوطات اللوبي الصهيوني بسبب مواقفه المنتقدة علنا للسياسة الإسرائيلية القمعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما ظهر موقفه مرة أخرى في خطابه في القاهرة 5/6 /2009 حيث أكد على استمرار الدعم الأمريكي الاسترتيجي لإسرائيل ولكن ليس بشكل مطلق وإنما طالبها بوقف الاستيطان حين قال " لقد آن الأوان لكي تتوقف هذه المستوطنات" . وكان قد سبق ذلك تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في 27/5/2009 التي قالت فيها إن الرئيس باراك أوباما أوضح لإسرائيل أنه يرغب في تجميد بناء المستوطنات في الضفة الغربية بدون استثناءات ولو حتى بسبب ما تصفه إسرائيل بـ "النمو الطبيعي" وهو أقوى تصريح أمريكي على الإطلاق صدر بهذا الخصوص.

لا احد يدعي أن هذا الموقف لأوباما يلبي الحد الأدنى للحقوق الفلسطينية العربية المشروعة ومع ذلك لا يمكن لأحد أن ينكر أن هذا الموقف يشكل بصيص نور في ظلام السياسة الأمريكية طيلة نصف قرن ونيف كان من الواجب الفلسطيني العربي أن يستنفر لالتقاط الفرصة وتفعيلها وتطويرها، كان يجب وفقا للتفكير العلمي الملتزم وطنيا وقوميا أن تتجاوز قيادتي فتح وحماس خلافاتهما السلطوية ويعملان بفعالية عالية لعقد اجتماعات متتالية لجميع المؤسسات الفلسطينية بدءا من القيادة الفلسطينية العليا بهدف إعادة بناء م.ت.ف وفق المنهج الديمقراطي والتمثيل النسبي على قاعدة برنامج وطني موحد بجميع مكوناته في العمل المقاوم ، والسياسي، والاجتماعي من أجل خلق رافعة فعالة تعزز إيجابيات موقف أوباما المعلن من الاستيطان لتجسيده فعلا في الميدان وكذلك في تطوير موقفه وموقف الدول الكبرى بخصوص الحصار الإسرائيلي على غزة والخنق الاقتصادي للضفة . وكان على اليسار الفلسطيني أيضا أن يشدد من مواقفه في اتجاه الضغط على الطرفين لتحقيق الوحدة الوطنية لا أن يتشتت كما يلاحظ على أرض الواقع بحثا عن كسب هامشي وزاري أو سلطوي هنا وهناك بشكل يضعف قدرته على التأثير الجماهيري باتجاه هدف الوحدة الوطنية. كان على فتح باعتبارها تمسك بقيادة م.ت.ف أن تشد مفاصل حركة فتح سياسيا لتجعلها أقدر على التاثير الفاعل في المواجهة السياسية الجارية الآن بدلا من تخفيض فاعلية قدرتها السياسية كما حدث في مؤتمر بيت لحم، كان على قيادة حماس أن تعيد ترتيب أولوياتها باتجاه توحيد الجهد الإسلامي على المستوى العربي والدولي ليشكل قوة موحدة فاعلة مع الموقف الفلسطيني في مواجهة الاستيطان وحصار غزة وخنق الضفة، ولكن بحرقة قلب دامية يجيب الواقع العنيد أن لا شيء من كل ذلك قد حصل.

وفقا لنفس المنهج في التفكير العلمي كان المطلوب عربيا أن تبادر كل من مصر وسوريا والسعودية لدعوة القمة العربية في اجتماع طارئ ولكن استراتيجي للإجابة على سؤال واحد مفاده ما المطلوب منا فعله كحكم عربي لتعزيز الموقف الفلسطيني في مواجهة العدوان الإسرائيلي المستمر في مجال الاستيطان والحصار على غزة والخنق للضفة؟؟؟؟ وذلك بدلا من استمرار حرب داحس والغبراء بين العرب وبدلا من الملهاة الاستعمارية التي غسلت عقول الحكم العرب بما يسمى الخطر الإيراني، أليست هذه بديهيات يدركها الكبير والصغير والمقمط في السرير؟؟؟؟؟

إن الذي يحز في النفس بلوعة حارقة هو أن تتسابق القيادتين الفلسطينيتين في الضفة وغزة علنا وسرا لإقناع الجانب الأمريكي بان كل منهما هي الأقدر وهي الأكثر شرعية على التحكم بالشعب الفلسطيني وحقوقه في حين يلهون الشعب الفلسطيني بحصا قدرة بن الخطاب في غزة وجمهورية أفلاطون الفياضية في الضفة, وتتعاظم المأساة حين يرى المرء وزير الاقتصاد في الضفة يجتمع مع نظيره الإسرائيلي ومعركة وقف الاستيطان التي فجرها أوباما لا زالت في أوجها، وتصبح المأساة طامة كبرى حين نرى نتنياهو يتبختر في القاهرة في لقائه مع مبارك تاركا ميتشل لوزرائه وكأنه يقول له ما لك ومال الاستيطان يا عم سام !!! هذه غيمة صيف بيننا وبين أولاد العم الفلسطينيين العرب عما قريب تنقشع، نحن أقدر على حلها شرط ابتعادك عنها. وتأتي ثالثة الأثافي حين نسمع أن ابو مازن قرر تلبية دعوة أوباما لحضور الاجتماع الثلاثي، أوباما، نتنياهو أبو مازن يوم الثلاثاء القادم في واشنطون وذلك في ظل استمرار الاستيطان.

من الطبيعي في ضوء كل ذلك أن نسمع تلميحات أمريكية هنا وهناك تفيد بتغير الموقف الأمريكي اتجاه الاستيطان حيث تردد بعض الأخبار والتحليلات أن الموقف الأمريكي بات متساوقا مع الموقف الإسرائيلي من حيث استثناء القدس من وقف الاستيطان واستثناء الوحدات السكنية المعتمدة من الحكومة الإسرائيلية والبالغة 3 آلاف وحدة سكنية بل وحتى اقتصار فترة التجميد المهزلة لستة أو تسعة أشهر بحيث يتم خلال هذه الفترة التطبيع العربي الإسرائيلي.

فد يكون أبا مازن غارقا في الأوهام الآن وهو في طريقه إلى واشنطون ، ولست أدري سيقرأ هذه السطور من فلسطيني بسيط كل ما لديه أن ذاكرته حادة بخصوص الفهلوة الإسرائيلية في التعامل مع الحكم الفلسطيني العربي المتشح بالبداوة البسيطة و/ أو المتدثر بأبهة الكرسي، أقول لك يا أبا مازن لا تدخل هذا الاجتماع المصيدة فالنتيجة باتت معروفة، أوباما أدرك المثل الشعبي العربي الذي يقول "هيك مزبطه بدها هيك ختم"، فهو قد فرأ تجربة الحكم الفلسطيني العربي في سياسته ضد الاستيطان وتوصل إلى قناعة واضحة أن الجانب الفلسطيني العربي سيقبل بالفتات مع وعود بالجنة، وعليه سيطرحون عليك اليوم ننقذ شبرا وغدا أو بعد غد نكمل المشوار وأوبوما معك في المسيرة، فقط ثق في ذلك وأترك لأوباما الوقت الكافي للحل، هم في الحقيقة لن ينقذوا لا شبرا ولا فترا طالما أن الاحتلال الإسرائيلي مستمر، هم فقط يقسطون وجبات الاستيطان حتى يكونوا أقدر على الابتلاع والهضم، قدمت في أوسلو اعتراف بالكيان الصهيوني، سلمت لهم بفلسطين48 وبفلسطين67 وهم أعطوك قصيدة مدح باعترافهم ب م.ت.ف ممثلا للشعب الفلسطيني بعد ان افرغوها من مضمونها ولم يوقفوا الاستيطان بل زاد بحواي 150% منذ أوسلو حتى الآن، أنت اليوم ليس لديك شيء تعطيه لهم وبالتالي فالأرجح أن لا يعطيك حتى شعرا جميلا، أما الحكم العرب سيعطيهم التطبيع مقابل التجميد المهزلة هروبا من تحمل المسؤولية، ذلك أنه حتى في التجارة تجد المسألة" قبيض بقبيض" كما يقول المثل الشامي، إن كنت على الباب ولم تدخل المصيدة تهالك على الأرض بحجة جلطة وهمية وأنج بنفسك على قاعدة " أنج سعد فقد هلك سعيد".

نابلس 21/9/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق