الجمعة، 29 يناير 2010

حذار من الاحتكام لمجلس الأمن الأمريكي عفوا الدولي

د. يوسف عبدالحق

يكاد لا يصدق كل من يتابع صيرورة القضية الفلسطينية الضحالة الشديدة التي يتصف بها التحرك السياسي الفلسطيني العربي منذ حماقة أوسلو وتحديدا منذ الانتخابات الفلسطينية الأخيرة، ولأن الحماقات السياسية التي ارتكبت خلال هذه المرحلة لا تعد ولا تحصى حتى لو تركز الحديث فيها على الفترة الأخيرة، بحيث بات يستغرق تحليل أبعادها وتقييم نتائجها وتصحيح مسارها مئات الصفحات من الكتابة المعمقة، فإنه لا بد من تركيز التحليل على أحدث تقليعة طفت على السطح خلال الأشهر القليلة الماضية بناء دولة الأمر الواقع، وقد تدحرجت هذه التقليعة لتصبح جوهر المشروع العربي الذي أوصت به لجنة المتابعة العربية بناء على الطلب الفلسطيني في اجتماعها الأخير نهاية الأسبوع الماضي، إلى مجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية المزمع عقده بناء على طلبها، ويتلخص المشروع في أن يتقدم العرب إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يتضمن "إقرار أسس وأهداف المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية "وكذلك "إقرار إقامة دولة الفلسطينية ذات سيادة على أساس خطوط الرابع من حزيران 1967 بما فيها القدس الشرقية في مدى زمني محدد" وأيضا " تأكيد عدم شرعية الممارسات الإسرائيلية التي تهدف إلى فرض امر واقع ومطالبة إسرائيل بالوقف الفوري والكامل لكافة الأنشطة الاستيطانية"( الأيام الفلسطينية13/11/09)

لننظر لهذا الموضوع بهدوء ولكن بعمق وموضوعية, حين طرحت حكومة عباس فياض أو ربما حكومة فياض عباس الله أعلم، مشروع دولة الأمر الواقع حاول أهل المصالح الاقتصادية والنفعية أن يروجوا للمشروع بحجة تبريرية عاطفية تضليلية مفادها أن ذلك هو إبداع قطع فترة الضياع منذ انتهاء الفترة المؤقتة في كارثة أوسلو عام 1999، وهي حجة مكشوفة لكل مواطن فلسطيني لأنه أدرك خلال تجربته النضالية أن الأمر الواقع هو لصالح الأقوى ضد الضعيف، والجميع يعرف أن الجانب الفلسطيني هو الأضعف بمئات الدرجات سواء على المستوى الاقتصادي حيث أكثر من 40% منه هو من الدول المانحة، أو على المستوى السياسي حيث يعيش الشعب الفلسطيني حالة انعدام الوزن بسبب الصراع الداخلي وطبعا على المستوى العسكري. يعني ذلك أن الدولة إذا ما قامت ستكون دولة نتنياهو وربعه، فهي ستكون قطعا على مقاسه ووفق لمواصفاته، ومع ذلك نجد نتنياهو يملآ الدنيا صراخا محذرا من خطورة الإعلان من طرف واحد عن الدولة موفرا بذلك مزيدا من الغطاء التضليلي للمشروع باعتباره مشروعا ضد الإرادة الإسرائيلية.

رغم الكتابات المتعددة والرصينة التي حذرت من خطورة هذا المشروع، إلا أن أصحاب المشروع واصلوا مشوارهم بعرض المشروع على الأوروبيين والأمريكيين والعرب، الأوروبيون أيدوا المشروع من حيث المبدأ، الأمريكيون تحفظوا عليه ظاهريا ودعموه من حيث المبدأ في الكواليس، أما الموقف الفلسطيني والعربي فقد بدأ يتحرك نحو إيجاد الآليات اللازمة لتجسيد المشروع قرارا من مجلس الأمن وفق توصية لجنة المتابعة العربية المذكورة سابقا وهي أخطر ما في الأمر.

تكمن خطورة التوصية المذكورة في أنها من حيث تدري أو لا تدري، تجاوزت بل أكاد أقول أنها أسقطت من الاعتبار القرارات الدولية التي تتسم بالإنصاف النسبي للشعب الفلسطيني مثل قرار الجمعية العامة 3236 الذي اعترف بالحقوق الوطنية المشروعة والثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة وإقامة الدولة المستقلة، وقرار حق العودة194 وقرار التقسيم 181 بل وحتى قرار 242 البائس تاركة لمجلس الأمن الدولي أن يحدد أسس وأهداف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في ظل تركيبته الحالية الموغلة في التحيز للسياسة العنصرية التوسعية الاسرائيلية، ولعل ابرز مثال على ذلك إهماله التام للقرار الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص الجدار التوسعي العنصري وكذلك تقرير غولدستون بشأن المحرقة الصهيونية في غزة. ولنا ان نتخيل في ظل كل ذلك نوع الأسس والأهداف التي سيبدع مجلس الأمن الدولي في اختلاقها للمفاوضات!!!

ثم إن التوصية ث أسقطت تماما حق العودة من اعتبارها وهو أقوى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ليس فقط بحكم أنه حق إنساني دولي يدعمه قرار 194ولا لأن جميع الدول باستثناء إسرائيل كانت تصوت لصالحه منذ النكبة وحتى حماقة أوسلو بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية التي بدأت بالامتناع عن التصويت عليه بعد أوسلو، ولكن لأنه يشكل جوهر القضية الفلسطينية باعتباره يحمي حقوق أكثر من نصف الشعب الفلسطيني من الشطب، أليس هذا الإسقاط هو أحد أهم المطالب الجوهرية للسياسة الإسرائيلية!!!!

ثم لننعم النظر في الصياغة المحترفة للتوصية بخصوص الاستيطان " تأكيد عدم شرعية الممارسات الإسرائيلية....... ومطالبة إسرائيل بالوقف الفوري والكامل لكافة الأنشطة........." بعد كل هذه التضحيات وهذا الشقاء، وبعد أن أعملنا زناد الفكر نذهب إلى مجلس الأمن الدولي لنطالبه بكلام مكرور لا يسمن ولا يغني من جوع يؤكد فيه على عدم مشروعية المستعمرات الصهيونية ويطالب إسرائيل بوقفها فورا، حقا تمخض الجبل فولد فأرا، هل خطر على بال محترفي الساسة الفلسطينية والعربية أن هناك احتلال إسرائيلي غير مشروع منذ عام 67 على الضفة وغزة وأن المطلوب حتى وفقا لقرار 242 الظالم الانسحاب الإسرائيلي الكامل العسكري والمدني من هاتين المنطقتين، ألم ينتبه أحدهم أن المطلوب من مجلس الأمن هو تنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة على الكيان الصهيوني، ألم يتبادر إلى ذهن أحدهم أن يختصر ويقول أن المطلوب من مجلس الأمن إصدار قرار ملزم لإسرائيل بالانسحاب من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة كما فعل بشأن العراق وأفغانستان!!!!!!

أما بخصوص الدولة العتيدة فالمطلب العربي هو" إقرار دولة فلسطينية ذات سيادة على أساس خطوط الرابع من حزيران........" لاحظ عبارة ذات سيادة وليست ذات سيادة كاملة، أظنه خطا مطبعي!!! إذ لا يمكن التفريط بسيادتنا المائية أو الحدودية أو الاقتصادية!!!! ثم تابع " على أساس خطوط الرابع ..." ما معنى على أساس!! إنه يعني أن هناك إمكانية لتعديل الخطوط لمساحة الدولة الشاسعة العتيدة، وبمفهوم كلمة الأساس يمكن أن يشمل ذلك أي نسبة من الأرض تقل عن نسبة 45% باعتبار أن الباقي لنا هو كثير أكثر من نصف الضفة وغزة، وإلا لماذا لم يرد النص كما عرفناه سابقا " إقامة دولة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في عدوان حزيران عام 1967 !!!!!

قد يقول قائل موقفك صحيح ولكنه لا يمكن أن يمر في مجلس الأمن ونحن نريد موقفا يقبل به مجلس الأمن الدولي، هنا يصبح المنهج واضحا فالمطلوب أن نقبل بما يقدمه لنا مجلس الأمن، أي بما تقدمه الولايات المتحدة باعتبارها القوة المهيمنة وبالتالي بما يقدمه المشروع الإسرائيلي باعتبار الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، هل هذا هو المطلوب!!
ينبري أحدهم ليقول لا بديل لنا، لا بد من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولكن الواقع العنيد يجيب من تجربة حماقة أوسلو المريره بأن من ينتظر من من الذئب ان يبقي له بعض الفتات فليبشر بأن الذئب الصهيوني لن يبقى ولن يذر له شيئا وإن فعل فسيعود بعد حين لابتلاع كل ما تبقى إن استمر العمل السياسي الفلسطيني العربي على هذا المنوال، ولنتذكر حكاية الأسد في كليلة ودمنه حين حاول بعضهم مشاركته في الصيد كيف بطش بهم جميعا باستثناء من سلم له بكل شيء.

هل يعني ذلك ان لا فائدة من الأمم المتحدة!!! الجواب لا ولكن من يريد الاعتماد على الأمم المتحدة هذه الأيام عليه أن يتبصر في الأمر ويعرف أن قوة العدل تكمن في الجمعية العامة، أما مجلس الأمن وبرغم قوة الفعل التي يمتلكها فإن من يختار من المقهورين في العالم في هذه المرحلة الاحتكام له فهو كمن يستجير من الرمضاء بالنار، فحذار حذار من هذه النطنات إلى مجلس الأمن، على صانع القرار الفلسطيني العربي أن يقصر عودته لمجلس الأمن على القضايا الجزئية فقط بعيدا عن القضايا الجوهرية مثل التسوية الجارية ، ذلك أن مجلس الأمن في ظل الهيمنة الأمريكية وفي ضوء الغفلة والعجز السياسي للحكم الفلسطيني والعربي سيصدر قراره حتما بالمواصفات الإسرائيلية بحيث يجب كل ما قبله من قرارات دولية تتسم بالعدل النسبي للقضية الفلسطينية، وحينها ينطبق علينا القول العربي المأثور" يداك أوكتا وفوك نفخ".

وهكذا يتضح أن المطلوب لتحقيق الحقوق المشروعة والثابتة غبر القابلة للتصرف في حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية ليس تعريض هذه الحقوق المعتمدة من قبل قرارات الشرعية الدولية( 181، 194، 3236) كما سبق وذكر، لحكم مجلس الأمن الدولي مما يتيح الفرصة للتحالف الصهيوني الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة للالتفاف عليها وشطبها كما شطب قرار مساواة الصهيونية بالعنصرية بفضل حماقة أوسلو، وإنما المطلوب بناء قوة بمفهومها الشامل قادرة على التقدم ولو تدريجيا نحو تنفيذ هذه القرارات التي تكفل لنا الحد الأدنى من حقوقنا، فنحن أصلا لسنا بحاجة إلى مزيد من القرارات الجوهرية في قضيتنا، وإنما بحاجة إلى قوة فعلية للتنفيذ ، ومن الطبيعي أن تكون البداية من فلسطين، وعليه مطلوب من القيادة الفلسطينية بمختلف مكوناتها وخاصة الفتحاوية منها والحمساوية أن ترتقي ولو لمرة واحدة في هذه المرحلة الحاسمة في الصراع الفلسطيني العربي الصهيوني إلى مستوى عدالة القضية بدلا من الفهلوة السياسية ولعبة الكراسي الصبيانية ، عليهم اليوم قبل الغد وقبل فوات الأوان أن يرحموا هذا الشعب بالاتفاق على برنامج عمل مشترك يعتمد كل الوسائل المتاحة والمناسبة زمانا ومكانا لتحقيق الحقوق الوطنية المشروعة والثابتة غير القابلة للتصرف كما جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3236 ، توقف الحوار في ظني لخطأ مصري فني أو غير فني ليس مجال الحديث فيه الآن، واليوم تطرح الشعبية موقفا موضوعيا مفاده لنثبت ما اتفقنا عليه ونطرح نقاط الخلاف المتبقية على جلسة حوار جديدة وجادة بحيث يتم حسم الأمور في يومين، ولا أظن أن الأمر يحتاج إلى أكثر من يومين في ظل تجربتي فتح وحماس الفاشلتين في الضفة وغزة، فلينزل الطرفان من فوق الشجرة وليتوقفا تماما وإلى الأبد عن نهج عنزة ولو طارت، ولا يغترن أحد بقوته، فالاحتلال أقوى، بل إن الشعب والتاريخ هو الأقوى والحكيم من تعلم من غيره، بقي أن أقول أن كل ما سبق من الحديث ينطلق من فرضية هو فلسطين وليس التجارة بفلسطين.
نابلس 14//11/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق