السبت، 5 سبتمبر 2009

قصعة وزارية لا بل قصعات !!!

د. يوسف عبد الحق

وأخيرا وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من الشد والجذب دخل الشعب الفلسطيني المقهور الحلقة الثالثة عشرة من مسلسل القصعة الوزارية الذي بدأ قبل أربعة عشر عاما، ما الجديد في هذه الحلقة؟ ثوابت القصعة لم تتغير فهي تركز إبداعاتها أساسا ومنذ أربعة عشر عاما في تعظيم قدرات الشعب على العيش في الموهوم مبتسما وهو يئن في نار جهنم الاحتلال محترقا. تتزاحم على ذهن المواطن المقهور طلاسم متنوعة منونة ومدغمة، تحكي له حكايات الشاطر حسن ونوادر جحا بل وملحمة على بابا ولكن بدون الأربعين حرامي طبعا، يكاد المقهور يصدق فيندفع بطيب القلب مؤيدا وإذا بشاشة جهنم الفقر الملعون والاحتلال المتوحش بقوافي حواجز الموت المسحور تصرخ في عقله صمتا: أفق وصحح يا مقهور. يحاول أن يفهم ويجرب أن يعمل متأملا أن ينجح وإذا بالطلاسم في لحن جديد تدغدغ مرة أخرى أوهامه فتخلب منه اللب من أعماقه فيعود مرة أخرى ليسبح في سماوات أوهامه.

تقدمت طلاسم القصعة من الجانب الآخر، تحكي له أحلاما وردية في الترشيد والتحرير وتنقله بسحر توقه إلى العدل والحرية على بساط من الريح منتعشا ، يشتد أزر المقهور فيشق القمقم منطلقا، يقدم الروح قبل المال فداء الوطن، يذوق الأمرين تارة من الداخل وأخرى من محارق صهيون منبع المحن، هو شعب مقهور لكنه من أهل الفطن، يمعن الفكر في الذي كان والذي لا زال يجري، يتململ معربا عن سخطه على ما ذاق وما رأى، ينادى الأهل ليعيدوا قراءة كل الرؤى، في الشمال وفي الجنوب وفي الفلسطينيين في كل الورى، يطالب القرنين بالقدس بالعودة: يكفينا هذا الهراء، تنبري الطلاسم من كل قرن تخدره بالقول له: أنها وحدها تملك النصر والحرية والعدل فكيف لا ترى، اصبر وصابر يا مقهور فالخير قادم من أوباما أو من ابن أبي البراء، يكابد الفلسطيني المقهور عل بشائر الخير تسطع في كل السماء.

واليوم والفلسطيني المثلوم يرنو لحكمة من الوطن الذبيح، باحثا عن وطنية الشعب المليح، فإذا به يشتم عن بعد وعن قرب مصيبة، تكالب للبعض على قصعة وزارية ، عشرون وأربعا من أهل الهمة أو من أهل الزلة، أكثر أو مثل عددا وزراء فرنسه، ينظر المقهور مبهورا ومنتظرا، يأمل أن يصله بعضا من القصعة أو حتى فتاتا من أنياب الجمعة، يفرح يمرح وطلاسم الدولار تقترب من أوداجه الحرة، ينشط يتململ استعدادا للفطرة، وفجأة يجد الطلسم قد حل بشخص ليس له في العير ولا النفرة، فيجد هذا الشخص قد غاص مبتهجا بفتات الجمعة، وسقط في الوطن مهزوما و لأهل القصعة ذيلا. تنتفض عروق المقهور مولولة، تهمر تزمر في حنق وفي غضب، وتكاد تندفع نحو الجمعة لتعلن براءتها من كل القصة، فتفاجئه ألحان الطلسم من القصعة، تدغدغ أحلام الورد في عقل الغفله، ترسل له أنغام الحكمة، تهدهد روح الثورة، وتناشد فيه الصبر على المرة، وتغني ويغني مع لحن القمة، نحن اليوم نصنع صمود الشعب المقهور ونقود الركب لليوم الموعود، نرفع فيه راية النصر على باب العمود.

يفيق المقهور الفلسطيني في الغم حزينا، يرى التشرذم في الوطن فضيلة، يجد الأسرى بلا وزير ولا وزيرة، وينظر للربع طويلا وعميقا، تولول جينات العرب في أحشائه نواحه، والكل يرتع في وادي الخذلان، يسمع همهمة من كل مكان، ينصت وإذا بالجمع يدندن، يسلي القلب ثرثارا، يرحل حق القدس واليافا ، إلى القادم عند أوباما، ويمني النفس في الوهم أحلاما ، ويعيش على الأرائك ولهانا، يعلن ليلا ونهارا ويقول الشعب منتصرا ، وفي جوهر القلب كذابا، هو يعلم بقدس الأقداس أن الوطن قد طارا، وعلى مذبح القصعات في رام الله وفي غزة، يموت الشعب تكرارا، يضيع الحق بتعديل من القمة، يبيد حق اللاجئ في العودة، ويمنعه حين الذبح من الزفرة، ويمنعه مع الأيام من الحلم مع الفكرة، هل المقهور في حاجة ، لمن يجهز على الوحدة، بمهزلة نسميها ويا للحمق اسم وزارة، بل نحن يا فرحة، بات لنا وزارة الغزة وأخرى لرام الله, ومع ذلك فنحن يا ربعي لا نملك حق مرور سيارة ، ولا حتى حق تصفير صفارة، نعيش مسحوقين بين القصعتين أسمالا، ولربما تنمو المصيبة قصعات بوادينا، لتنهش كل ما فينا ، من وطن ومن دينا ، ونعيش الدهر في ندم نلاعن كل ما فينا.
وحين يصل الأمر بالمقهور مفترقا، يطل عليه طلسما حذقا ، يعاتبه يجاذبه، ويقسم بالأجيال قاطبة، ويعلن للمقهور محتدما ، بأن الجولة الكبرى، سيأتي يومها حتما ، وأما اليوم فلا داعي ، لأن نترك القصعة، علينا خدمة الشعب ، بلحس من القصعة، فمن يلحس من القصعة ، استغفرت له القصعة. يجيب مقهورنا غضبا ومن يلحس من القصعة يعيش الدهر في القصعة.
كتبت في 26/5/2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق