د. يوسف عبدالحق
من بديهيات الإستراتيجية الوطنية في مرحلة التحرر الوطني في تاريخ جميع حركات التحرر العالمية أن حل خلافاتها الداخلية يتم بالمنهج الحواري باعتباره تناقضا ثانويا غير تناحري بعكس صراعها مع الاحتلال الذي يشكل التناقض الرئيسي التناحري فإنه يحل باستخدام كل أشكال المقاومة كما نصت على ذلك مبادئ الأمم المتحدة وقراراتها الخاصة بحق الشعوب المستعمرة في مقاومة الاستعمار.
وفقا لهذا المعيار تكون حماس قد ارتكبت خطا استراتيجيا في استخدامها للحسم العسكري ضد سلطة فتح في غزة بالرغم من الموافقة مع حماس على إدانة كل الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها ولا تزال سلطة فتح وذلك دون الدخول في التفاصيل
ولكن الأدهى والأمر أن سلطة فتح في الضفة التي تدعي ليل نهار بأنها تمثل الشرعية وتمثل م.ت.ف التي تشكل من حيث الإطار لا الجوهر ممثلا شرعيا وحيدا للشعب الفلسطيني، ارتكبت ذات الخطأ الاستراتيجي في إقدامها على استخدام السلاح في قتل 3 عناصر من حماس في قلقيلية وذلك بالرغم من الاتفاق مع فتح على إدانة أخطاء وخطايا سلطة حماس وذلك دون الدخول في التفاصيل أيضا.
وقد يقول البعض أن استخدام السلاح بين الفلسطينيين كانت له سوابق كثيرة فلم هذا التشنج من حدوثه بين فتح وحماس؟ هنا لا بد من التنويه إلى أنه إذا كان هناك شخصا قد تطاول على والديه صغيرا فذلك لا يعني البتة أن يصبح التطاول على الوالدين مسموحا له أو مبررا حين يكون بالغا، والحركة الفلسطينية بعد مسيرتها الحديثة التي تجاوزت 42 عاما لا يعقل أن يتم التعامل مع جريمتها في استخدام السلاح لحل مشاكلها الداخلية باعتباره خطأ بسيطا مبررا كما حدث حين كانت حركة غير ناضجة.
ويمكن للبعض أن ينبري قائلا : هذه هي سنن كل حركات التحرر العالمية في الحسم العسكري للسلطة، هذا غير صحيح على الإطلاق غلا في الحركات الفاشلة، ذلك أن وحدة الشعب في مقاومة الاستعمار كانت الرافعة الأساسية للنصر، أما الحسم العسكري فنجده قد تم بعد النصر لا قبله، ونذكر جميعا الخميني في ثورته ضد قوات الشاه الاستعمارية حين سئل عن تفاهمه مع حزب تودة الشيوعي الإيراني في المقاومة وكيف سيتعامل معه إذا نجحت حركته، أجاب: لكل حادث حديث، والكل يتذكر قول تشرشل حين سئل عن تحالفه مع الاتحاد السوفييتي النقيض الكامل لنظام للحكم البريطاني في مقاومته للنازية حيث قال: مستعد للنحاف مع الشيطان ضد النازية.
وهنا يمكن أن يدعي البعض ويقول: لكن حكم فتح أو حكم حماس ضد المقاومة باعتبار الأول ملتزم بنهج أوسلو والثاني ملتزم بنهج بناء الحكم الإسلامي، وفي الحالتين كلاهما يعمل ضد المقاومة، وهنا لا بد أن نذكر أن فتح أو حماس يمثل كل منهما حوالي (35- 40 %) وعليه لا يعقل أن نعتبر حوالي 75% أو حتى 40% من الشعب ضد المقاومة، قد تكون القيادة هنا أو هناك تعمل من حيث تدري أو لا تدري ضد المقاومة، ولكن مؤيدي كلا الطرفين يعتقدون أن سياسة قيادتها هي المقاومة الحقيقية، وبالتالي ليس أمامنا إلا طريق العمل السياسي لنصل إلى حسم هذا الموضوع شعبيا بحيث يحسم الشعب بشكل قاطع من هي القيادة التي تعمل ضد المقاومة، وهنا فقط يصبح استخدام السلاح داخليا مشروعا. أما الآن وكل من الطرفين يستحوذ على 35% على الأقل من التأييد الشعبي فإنه من المحرمات استخدام أي وسيلة غير العمل السياسي فقط في حل الخلافات الداخلية.
لكن المشكل الأخطر يكمن ليس في عجز الطرفين عن الاحتكام للعمل السياسي في حل الخلاف الداخلي ، وإنما في الشلل شبه الكامل الذي تعاني منه معظم الحركات الفلسطينية الأخرى في تعاملها السياسي، فمعظمها إن لم يكن كلها يعتقد جهلا أو طمعا بأن العمل السياسي بالتفاهم مع أحد الطرفين يمكنها من لجم تحكم السلاح في الخلافات الداخلية، وحتى إذا كان هذ الاجتهاد صحيحا نظريا في بعض الحالات‘ فقد ثبت فشله الذريع بخصوص الساحة الفلسطينية طيلة 4 عقود من سلطة فتح وأكثر من ثلاث سنوات من حكم حماس، ومع ذلك لا زالت القوى الأخرى متمسكة بسحر اللجم من الداخل رغم أنه بات يشكل سحر اللخم لهذه القوى من الداخل وليس سحر اللجم للطرفين.
كيف لا ونحن نرى قتل المئات من مناضلي شعبنا بدم بارد سواء في غزة أو في الضفة وآخره ما تم في قلقيلية الصامدة، ومع ذلك لا نجد موقفا سياسيا عمليا واحدا يجسد الموقف النظري لهذه القوى خارج الطرفين. يقول البعض وماذا تستطيع هذه القوى أن تعمل أمام هذين الغولين، يقول المنطق الثوري أو حتى المنطق العقلاني أن بيدها الكثير لتعمله بعد هذه المعاناة المريرة لشعبنا طيلة أكثر من 3 سنوات، يمكن مثلا أن يقدم وزيرا في حكومة فتح استقالته احتجاجا على ما حدث في قلقيلية خاصة في ضوء ما قاله سلام فياض رئيس الحكومة " أنا آسف لما حدث ولكن لا نعتذر" أي أن هذا نهج لحكومته. كما يمكن لعضو في اللجنة التنفيذية ل م. ت. ف أن يستقيل باعتباره مسئولا عن سياسة حكومة فتح, كذلك يمكن للمحاورين أن يرفضوا دخول الحوار الوطني مع وجود قيادات من الطرفين أعطت الأوامر باستخدام السلاح، وأيضا يمكن وقف الاجتماعات مع الطرفين إلا بوجود محكم عربي مشهود له بالوطنية والنزاهة، يمكن رفض الاشتراك مع أي طرف في اللقاءات العربية والدولية، ويمكن تنظيم اعتصامين متزامنين في غزة ورام الله مستمران لحين منع كل منهما استخدام السلاح والاعتقال السياسي وقيام كل منهم بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، يمكن تشكيل وفد من خارج الطرفين يطوف الدول العربية لاتخاذ قرارات عربية مدعمة لهذا التوجه، باختصار الهدف هو ترك الطرفين كل لوحده في العمل السياسي حتى يفيق إلى رشده، ماذا تنتظر القوى الأخرىّّ!!!!! هل تنتظر حتى ينطبق علينا قول الشاعر المغربي المناضل (علاء كعيد حسب) بخصوص الصمت المريب في المغرب عن التطبيع مع الكيان الصهيوني ، هل ننتظر
" حتى تقول وكاللات الأنباء
جاء المساء،
ولا رجال يثبتون فحولتهم
لنساء القرية
بعد العشاء"
كتبت 4/6/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق