د. يوسف عبدالحق
غرامين تعني بلغة بنغلاديش الريف، واختصارا تعني مصرف الريف الذي أسسه بروفيسور الاقتصاد محمد يونس عام 1976 في بنغلاديش لإقراض الفلاجين وخاصة النساء منهم بدون ضمانات، بدأت الفكرة في رأسه حين قصدته بعض النساء الريفيات الفقيرات في الجامعة للاقتراض منه شخصيا حيث كان يقرض الواحدة منهن فقط 40 دولارا، لاحظ أن الغالبية الساحقة كانت ترد القرض خلال الفترة المحددة دون أن يكون قد حصل منها على أي ضمانات سوى ثقته الشخصية بها باعتبار أن من يملك الضمانات المادية هو قطعا ليس فقيرا. يقول يونس جاءتني الفكرة من خلال معيشتي اليومية سكنا وطعاما وملبسا وحركة وحتى تنفسا بين جموع الفقراء، ثم عرض الفكرة على شكل مصرف ريفي يقدم القروض للمزارعين بدون ضمانات ، في البداية هزء معظم اصحاب رؤوس الأموال بالفكرة لكنه تابع جهده إلى أن أسس مصرف الريف ( غرامين) عام 1976 برعاية البنك المركزي ودعم من البنوك التجارية الوطنية.
بعد نجاح المصرف تم عام 1983تحويله لشركة مساهمة يملك الفلاحون المقترضون 90% منها في حين يملك البنك المركزي الباقي. في السنة الأولى كانت إجمالي القروض المصروفة فعلا لا تتجاوز ألف دولار فقط في حين بلغت 1151 مليون دولار عام 2009 أي بمعدل زيادة سنوية حوالي 24%، وزاد عدد المقترضين خلال نفس الفترة من 10 اشخاص إلى حوالي 8 مليون شخص، 97% منهم نساء، في حين بلغت نسبة السداد أكثر من 98% من قيمة القروض، وقد بلغ عدد الطلبة المستفيدين من قروض المصرف والمنحه الدراسية حوالي 125 ألف طالب، وعليه يكون البرفيسور محمد يونس قد استحق بالفعل جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها عام 2006.
تفيد القراءات المتعددة لهذا المصرف أن سر نجاحه يرجع إلى الأسباب الرئيسية التالية : تخصصه في الريف أحد المصادر الرئيسية للفقر في الدول المتخلفة، دراسة جدوى المشروع ميدانيا، اعتماده على القروض الصغيرة، تركيزه على النساء، الإقراض بلا أي ضمانات باستثناء الثقة الشخصية، تفضيله قروض المجموعات على القروض الفردية باعتبار أن كل شريك في المجموعة يصبح رقيبا على العمل رغبة منه في تسديد القرض بالسرعة الممكنة، وأخيرا دراسته للمقترضين دراسة تفصيلية تاريخية موضوعية.
وهنا يلح على ذهن كل مخلص لمكافحة الفقر، سؤال مفاده: لماذا اندفع صناع القرار في الدول العربية الغارقة في محيطات الفقر نحو الخصخصة وخداع حرية السوق متجاهلين تماما هذه التجربة الرائدة والتي مضى على تاسيسها أكثر من 33 عاما ؟؟؟
بل الأدهى والأمر هو لماذا لا زالت السياسة الاقتصادية الفلسطينية تتخبط في مجالات مكافحة الفقر دون أن تلقي بالا لهذه التجربة الناجحة لا من قريب ولا من بعيد رغم ما ندعيه ليل نهار من شعارات طنانه لمكافحة الفقر باسم اللجنة الوطنية لمكافحة الفقر تارة، وتارة ثانية باسم صندوق التشغيل الذي رصدت له الأموال الطيارة في جيوب أربابه وتارة ثالثة باسم بنك الفقراء الذي تحول اسمه إلى بنك الرفاه تهربا حتى من اسم الفقراء؟
ثم كيف يمكن للبحرين التي يبلغ متوسط دخل الفرد السنوي فيها حوالي 25 ألف دولار في السنة أن تكون هي السباقة في تطبيق هذه التجربة المبدعة حين أعلنت قبل عشرة أيام عن افتتاح مصرف غرامين البحرين؟؟
واخيرا كيف يمكن لعاقل أن يفهم تجاهل هذه الفكرة الخلاقة من قبل الحكومات العربية الفقيرة والتي لا يتجاوز متوسط دخل الفرد السنوي فيها 1500 دولار فقط وفي مقدمتها الحكومة الفلسطينية حيث لا تقل نسبة الفقر فيها بدون غزة عن 40% من السكان، بغير التفريط المقصود بحقوق الفقراء؟؟
وإذا كنت مخطئا وهو ما أتمناه فإنه يسعدني أن أسمع أحد صناع القرار الفلسطيني في الأرياف يعلن إدانتي ولكن ليس بالكلمات وإنما بالإعلان عن تأسيس " مصرف غرامين فلسطين ، أليست فلسطين هي الأولى في هذا المصرف من البحرين بل ومن كل الدول العربية؟؟ أليس هذا هو الصمود وبناء المؤسسات التي تتغنى بها الحكومة الفلسطينية؟؟؟؟؟؟
21/1/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق