الاثنين، 31 يناير 2011

في الثورة الشعبية: من تونس إلى مصر

د.يوسف عبدالحق
من الطبيعي أن يقتصر هذا التحليل التفاعلي المادي التاريخي على المفصل الرئيسي الذي يحدد توجهات وثمار الثورة الشعبية من خلال مقاربة الفهم النظري لواقع حركة الثورة الشعبية في تونس للإستفادة منها في تعظيم نتائج حركة الثورة الشعبية في مصر الآن، وعليه فإن ما سيطرحه هذا المقال لا يمثل الجامع المانع وإنما هو مجرد اجتهاد عله يسهم ولو بنسمة خفيفة في تعزيز تيار الثورة الشعبية في مصر.


قد يقول قائل ولكن الثورتين هما في الحقيقة لا زالتا في مرحلة البداية وبالتالي فإنه من المبالغ فيه أن نظن أن الثورة الشعبية في تونس قد ولدت دروسا وعبر لغيرها من الثورات الشعبية وخاصة في مصر التي تحركت فيها الثورة الشعبية بعد حوالي شهر من تفجرها في تونس، ورغم أن ذلك صحيح، فإن ما يميز الثورات الشعبية هو سرعة حركتها وكثافة تراكم مخرجاتها، وبالتالي فإن حدثا واحدا في الثورة الشعبية إذا ما استمر بضعة أيام قد يخلق آثارا استراتيجية يصعب تجاوزها أحيانا ليس فقط على المدى القصير بل وحتى على المدى المتوسط، خاصة إذا كان الحدث يتعلق بالمفاصل الأساسية للثورة الشعبية،


من هذا المدخل يأتي الدور الهام بل والحاسم لقدرة القوى الديمقراطية التقدمية على خلق نقطة مهما كانت صغيرة، في حركة الثورة الشعبية تشكل مركزا لتركيم إنجازاتها الديمقراطية التقدمية صغيرة كانت أو كبيرة، بحيث تزداد قدرة تأثير هذا التراكم مع تعاظمه على المسار الأساسي للثورة الشعبية بما يحصنها ضد كل محاولات الاستلاب والاستخدام لصالح القوى المضادة للثورة.


في تونس الثورة الشعبية ظلت القوى الديمقراطية التقدمية تراوح مكانها في التوصل إلى فهم مشترك لحقيقة قدرتها في تفعيل طاقة الثورة الشعبية لتعظيم إنجازاتها الديمقراطية التقدمية في مواجهة قوى وسطية أو حتى هابطة في سقفها، نجم عن ذلك أن بعض القوى الديمقراطية التقدمية رفع سقف الأهداف عاليا جدا، في حين خفض البعض الآخر هذا السقف، فانقسمت هذه القوى الأمر الذي انعكس على مسار الثورة وهو ما سيؤدي حتما إلى نتائج سلبية على ثمار الثورة الشعبية ومآلها ، مرة أخرى اذكر أن هذا هو المفصل الأساسي وليس كل المفاصل.


في الثورة الشعبية المصرية نجد القوى الديمقراطية التقدمية غير موحدة كما في تونس، ولكنهم في جلهم مع القوى الوطنية الأخرى اتفقوا كما في تونس أيضا على رحيل الرئيس وتشكيل حكومة مؤقتة لقيادة العملية الديمقراطية إلى نهاياتها من خلال تنقيح الدستور، تنقيح قانون الانتخابات، محاسبة شخوص الحكم الحالي ثم إجراء انتخابات ديمقلراطية برلمانية ورئاسية، المشكلة ستظهر حين رحيل مبارك والبدء بتطبيق ما سبق على أرض الواقع، حيث ستظهر الخلافات بداية بين القوى الديمقراطية التقدمية والقوى الوطنية الأخرى، ذلك أن بعض القوى لحسابات صحيحة أو مغلوطة، ولمصالح مشروعة أو غير مشروعة ستبدأ رحلتها لتخفيض سقف الأهداف المتفق عليها متأثرة في ذلك بعامل مهم وقوي وهو قوة فلول النظام الحالي وهوامير رأسالمال بالإضافة إلى قوة التدخل الإمبريالي الخارجي الذي يعتبر أن المعركة الحالية هي كما معركة السويس، ستقرر على المدى القصير والمتوسط مصير و حجم وجوده في الوطن العربي برمته، فالحقيقة التاريخية تؤكد أن مصر هي مدخل الحرية والتبعية للعرب.
من المنطقي على ضوء كل ذلك أن تؤثر مقولات كل تلك القوى على الفهم المشترك للقوى الديمقراطية والتقدمية للنقطة الأساس وهي قدرتها على تفعيل طاقة الثورة الشعبية لتعظيم نتائجها، وحينها لا وقت للتفكير لأن القوى الأخرى وطنية أو خارجية، تكون قد سبق وحسمت موقفها من هذه النقطة وانطلقت نحو تطبيق رؤيتها على أرض الواقع مما يسبب تعميقا للخلاف الديمقراطي التقدمي ، وهذا يعزز قدرتها على مزيد من تكييف الواقع لسقفها المتدني في ظل غرق القوى الديمقراطية التقدمية في خلافاتها البرنامجية ناهيك عن الخلافات الأخرى الشخصية وغير الشخصية.


انسجاما مع هذا التحليل لا بد للقوى الديمقراطية التقدمية أن تبدأ حوارها الداخلي الساعة وليس بعد ساعة، بوعي عميق وجدية تامة للتوصل إلى برنامج عمل مشترك واضح وملزم للجميع، ليس فقط من أجل تعظيم النتائج الديمقراطية التقدمية للثورة ولكن أيضا وفاء لدماء شهداء الثورة الذين سواءً أعلنوا أو لم يعلنوا ، قد انحاوزوا بتضحياتهم للطبقة المسحوقة في الشعب المصري العظيم الرافعة الحقيقية للتيار الديمقراطي التقدمي، لا بد من القيام بذلك وإلا سيكتب التاريخ أن الديمقراطيين التقدميين خذلوا أمل الجماهيرو تركوا أول ثورة شعبية مصرية في التاريخ نهبا للآخرين!!!!!!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق