الاثنين، 30 ديسمبر 2013



وحيد الحمد الله* يحاورني بلغة الأرض والانسان

د. يوسف عبدالحق




قبل بضعة أيام كنت في الريف ادعاء بأنني فلاح حيث ارتاد أرضي لماما، في تجوالي في الريف هذه المرة مررت بوادي قانا الذي يتوسط عدة قرى ديراستيا، جين صافوط، قراوة وعزون، الذي يتعرض للخنق من قبل التوسع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، صعدت الطريق جنوبا بعد ذلك حتى وصلت قمتها، وفجأة سمعت قلقلة الحجارة تهمس صوتك صديقي وفخري يا أبا الرائد، يقول بجدية وحنية: أينك يا يوسف، لقد طال بعد لقائنا المعهود، تفكيري يفيض بشتى المسائل!!! تسمرت قدمي على كابح السيارة التي توقفت فورا، نزلت منها على الأرض محدقا بصمت عميق لأرى حجارة الوطن أمامي تتشكل دورا ومغرا وقلاعا في ظل صوتك والدهشة تعقد لساني.
تمالكت نفسي وأجبته: أبا الرائد المهم التقينا، كيفك وكيف من ورائك، مشتاق لحديثك وحديثهم خاصة في هذه الهضبة المرتفعة التي عملت أنت ورفاقك في لجنة التوجيه الوطني كل جهدكم الشعبي والقانوني والسياسي قبل قيام السلطة الفلسطينية لإنقاذها من الاستعمار الصهيوني فأنقذتم بعضها وبعضها الآخر تولت السلطة مسؤوليته مجمدة بذلك الطاقة الشعبية في العمل ما مكن المستعمرين من إنشاء مستعمرة على الباقي. قال وحيد: لا داعي لهذا الحديث صديقي، فأنا لم أكن في هذه المهمة غير واحد من ملايين هذا الشعب المناضل، لكن خبرني هل ما زالت السلطة كما تركتها مترددة عاجزة في مسألة المستعمرات، ألم تتعلم الدرس؟
في الجوهر لم تتغير أجبته، ولكنها غيرت في الشكل حيث تزايدت تداخلاتها مع بعض التشكيلات الشعبية لمواجهة المستعمرين بهدف الظهور بمظهر المقاومة من ناحية ومن ناحية أخرى بغرض ضبط ايقاع هذه التشكيلات على لحن تفاوضها المشروخ، هنا تنهد وحيد بحسرة عميقة صامتة كعهده وقال: وهل الانقسام ما زال قائما؟ قلت له أنسيت حين قلت لي في فترة الوساطات الأولى للمصالحة أنه على الرغم من أن برنامج قيادة حماس للمقاومة لا يستقيم من دون وحدة وطنية وأن برنامج قيادة فتح في المفاوضات لا يستقيم من دون وحدة وطنية إلا أن تمسك الطرفين بالسلطة أهم عندهما من الوحدة الوطنية، تحليلك يا ابا رائد عكس الحقيقة المرة التي نعيشها.
لكن يا ابا شداد خبرني عن جامعة النجاح، ما هي أوضاعها وأوضاع طلبتها وأساتذتها؟ قلت: رفيقي أبا رائد أعرف تماما أن الجامعة كانت دوما همك الأساسي بعد الأرض ، لقد شاهدت بنفسي كم بذلت والقيادات الوطنية قبل السلطة وبعدها من اجل تطوير الجامعة مفاعلا للتفكير الديمقراطي المستنير ومنارة وطنية مستقلة بعيدة عن التبعية، قاطعني يقول: لا داعي للمديح يا دكتور، فقط قل لي هل تحقق فيها ما كنت وزملائي في مجلس الأمناء نصبو اليه مما ذكرت، نظرت له باجلال كبير قائلا: يكفي أن تعرف أن رئيسها اصبح رئيسا للوزراء، هنا تنهد الرجل مرة اخرى وأطرق صامتا!!!
اغتنمت الفرصة وسألته: ولكن كيف صديقك الحكيم، هنا انفرد وجهه باسما وهو يقول بفرح: بل قل رفاقي واخوتي الحكيم وكنفاني وحداد وابو علي مصطفى والمناضلين الوطنيين كلهم من عزالدين القسام وجرّْ، هم عزوتي في غربتي عن الوطن، أما الحكيم فقد زاد ذهنه اتقادا على اتقاد، حقا إنه اليسار اليسار في عمق تفكيره وبعده المؤنسن، لقد قال لي بالأمس: انه عازم على العودة الى فلسطين مع جموع اللاجئين مهما بلغ الثمن من زمن وتضحيات، والمفرح حقا أن الجميع هنا سلموه الراية بطيب خاطر، وقد تم ذلك بعد قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، فقد زاره عندها القادة جميعهم وفي مقدمتهم عز الدين القسام، الحاج أمين الحسيني، أبو عمار، الشيح ياسين، ابو جهاد، الشقاقي، ابو القاسم والنجاب حيث كان عنده رفاق الشعبية وديع وغسان وابو علي مصطفى وابو ماهر، وقالوا له: كل شيء انكشف وبان، هم صفوا قضية الأرض بمنحنا بعض الحواكير، ويريدون اليوم تصفية حق العودة لتصفية الشعب، أنت يا حكيم الوحيد الذي حمل الهمَّ الاستراتيجي بلا كلل وبالتالي أنت الوحيد الذي يستحق هذه الراية بشرف، وقد زاد الشيخ ياسين على ذلك قوله: سامحنا يا حكيم حين لم نلحظ حكمتك فذهبنا الى الانقسام بدل الاحتكام اليك لتنقية ثورتنا من فيروسات التفرد والإقصاء والفساد، فاندفع ابوعمار مقبلا ياسين والحكيم وهو يهمس في أذن الحكيم صدق الشيخ ياسين لقد خدعونا يا ابا الميساء واليوم يومك، وحينها دمعت عيناي وأنا أقول لهم: كم مرة قالت لكم القيادات الوطنية في الداخل عن أهمية الوحدة الوطنية !!! قلت له: ليتنا جميعا عندكم حتى نتحرر من تغريبة الكذب على الأموات والأحياء في فلسطين بل وفي الوطن العربي.
هنا اعتدل ابو رائد على صهوة جواده وقال لي: وكيف العرب يا رفيقي، كنا نتحدث معا بأن مصر لن تظل في صمت أبا الهول!!! قلت له: العرب بات نموذجهم الشرذمة الفلسطينية على الرغم من أن أملك الذي كنت دوما تركز حروفك على تعزيزه في عقول كل فلسطيني بأن العروبة لا محالة قادمة، قد تحقق لمدة لا تزيد عن بضعة اشهر ربيعية ولكن التحالف الامبريالي الصهيوني وتابعيه العرب المتنطعين بالديمقراطية المفصلة من جهة، ومن جهة أخرى المتحجرين المتنطعين بالدين أحرقوا الزرع والنسل، بحيث أن الربيع أصبح اليوم خريفا، تذكرتك طيلة هذه المدة كثيرا كثيرا وأنت تقول على سورية أن تكون يقظة ومرنة في التطور الديمقراطي الذاتي، فذئاب الدنيا كلها تتربص بها. قال ابو رائد: أتذكر رفيقي تماما فأنت تعرف أننا متفقون على أن تفعيل العمق العربي هو مهماز نصرنا، أعذرني لا بد أن أغادر للعمل، اراك لاحقا.
*رئيس بلدية عنبتا السابق وعضو لجنة التوجيه الوطني ولجنة الدفاع عن الاراضي وعضو المجلس الوطني الفلسطيني وعضو مجلس امناء جامعة النجاح الوطنية بنابلس توفي بتاريخ 26/ 12 /2010
** محاضر جامعي ومحام فلسطيني ـ نابلس ـ فلسطين المحتلة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق