الجمعة، 14 فبراير 2014

الفساد منهج حكم المال والتبعية والاستبداد............د. يوسف عبد الحق

الفساد منهج حكم المال والتبعية والاستبداد..... د. يوسف عبد الحق


ملأ النظام الرأسمالي جنبات السماوات والأرض بشعاراته البراقة المضللة لتغطية استغلاله البشع للكادحين في العالم سواء من يعيش منهم في الدول المتخلفة أو في الدول الرأسمالية المتقدمة وإن كان قد عمل في هذه الحالة الأخيرة على تخفيف استغلاله من خلال رشوة الكادحين فتاتاً من الفوائض الفلكية المالية التي نهبها من ثروات الشعوب المتخلفة عن طريق فرض هيمنته المطلقة بالقوة الجارحة أو الناعمة على تلك الشعوب.

ولعل بسملة هذه الشعارات الرنانه تتجلى في مقولة أن الرأسمالية بحكم ديمقراطيتها السياسية، هي المنهجية الوحيدة الكفيلة بحماية الحكم والمجتمع من آفة الفساد من خلال حكم القانون القائم على استقلال السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مما يمكن القضاء من استئصال داء الفساد من جذوره. لقد تمكنت هذه المقولة الزائفة من عقول الكثرة من الناس في المرحلة الحالية لأن الديمقراطية المؤنسنة التي نادت بها الاشتراكية اختزلت اعتباطا من قبل الحكم الاشتراكي بالديمقراطية الاجتماعية فقط حارمة الشعب من الديمقراطية السياسية مما جعله يقع تحت استبداد قلة من قيادات الحزب الحاكم الذين عاثوا في مرحلة ما، فسادا عارما في طول البلاد وعرضها . إن هذا التحريف للديمقراطية من قبل حكام الاشتراكية سمح للرأسمالية بالظهورالخادع بأنها حامية حمى النزاهة والأمانة في العالم.

ولكن الحقيقة هي أن هذا التحريف لدى الحكم الاشتراكي يتناقض تماما مع الديمقراطية في النظرية الاشتراكية التي عبر عنها ماركس  بوضوح تام حين أكد أنها تعمل على إقامة الديمقراطية الحقيقية لجميع طبقة العمال الذين باتوا في ظل الاشتراكية هم كل الشعب باعتبار أن وسائل الانتاج في هذه الحالة تصبح ملك المجتمع وبالتالي يتحول كل فرد في سن العمل في المجتمع إلى عامل لدى المالك الوحيد لوسائل الانتاج وهو المجتمع ممثلا بشكل ديمقراطي بالدولة .

 إن هذا الفهم للديمقراطية يعني سحب سيف راس المال من القلة المحتكرة له وجعله ملكا للمجتمع برمته مما يحرر الجميع من تحكم سيف المال في حرية التعبير بحيث يصبح اتخاذ القرار في المجتمع يقوم على قوة الحجة لكل رأي أو موقف  في اقناع الغالبية من الشعب وليس على قوة تحكم رأس المال وسطوته.هذه هي الديمقراطية الحقيقية الاجتماعية والسياسية، أي الديمقراطية العمالية التي  أطلق عليه ماركس مجازا ديكتاتورية العمال أي ديكتاتورية الشعب باعتبار أن الشعب في هذه الحالة يصبح حقا صاحب القرار بنفسه ولنفسه وذلك في مقابل ديمقراطية رأس المال التي هي في الواقع ديكتاتورية رأس المال أي ديكتاتورية بضعة أفراد يستغلون الشعب بقضه وقضيضه بحكم احتكارهم لسيف المال البتار.

يتضح من كل ذلك أن الديمقراطية الرأسمالية هي مجرد تحكم هوامير المال في الثرة والحكم بصرف النظر عن المظاهر الخداعة من انتخابات تحكمها سطوة المال ومن فصل للسلطات يرزح تحت هيمنة رأس المال، ومن حريات للتعبير على قاعدة تحدث ما تريد والمال يفعل ما يريد، وهو ما يؤدي إلى تعميم الفساد بحيث تصبح  شعارات الأمانة والنزاهة والشفافية والمساءلة مجرد شذوذ عن القاعدة العامة في النهب والسلب.

 لقد أكد نعوم تشومسكي في كلمته أمام مؤتمر حول اقتصاديات الدول المتخلفة عقد في القاهرة أواخر تسعينات القرن الماضي أن الفساد في الاقتصاد الامبريالي هو من ماهية هذا الاقتصاد لأن رأس المال لا يمكنه أن يمارس استغلاله للكادحين إلا من خلال رشوة أركان الحكم الذين بدورهم يرشون القيادات الأدنى وهكذا حتى يعم الفساد في البلاد. ولعل العرض البشع للفساد الذي تجلى في الأزمة الاقتصادية العالمية التي تفجرت في الولايات المتحدة الأمريكية خربف 2008 ومن ثم تفشت في في كل العالم الرأسمالي يشكل الدليل القاطع على صدقية هذا الطرح. والحقيقة ان مسألة الفساد والاحتيال هي خاصية اصيله في الرأسمالية في جميع عصورها ويكفى لتأكيد ذلك أن نتذكر قضية احتيال وليم ميللر عام 1899 البالغة مليون دولار ثم قضية احتيال تشارلز بونزي عام 1919 البالغة 20 مليون دولار في حين بلغت قيمة اكبر قضية احتيال شخصية عام 2008 لبرنارد مادوف 865 مليار دولار، تمت كل هذه الاحتيالات في قمة الرأسمالية في الولايات المتحدة وهو ما يؤكد مقولة نعوم تشومسكي في أن الفساد لصيق بالراسمالية رغم اختلاف احجامه تبعا لتطورحجم النهب الراسمالي.  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق