عبيد في ثياب أسياد ............. د. يوسف عبد الحق
اعتادت قبيل كل مناسبة عامة بيوم أو يومين أن تهدأ
الى نفسها ، تتأمل وتراجع الحركة لها ولجميع أهلها وأقاربها وأصدقائها ومعارفها بل
وحتى كل من التقته أنثلى كان أو ذكر وكانت حركته فاعلة في نفسها سلبا أو ايجابا
حتى لو كان ذاك اللقاء يتيما.
في هذه المرة كان لقاؤها مع ذاتها غريبا فقد كان
مفعما بالتحدي معمقا في المعنى والمبنى بل وحتي أنه تم في مكان لم تعهده من قبل،
فقد قادتها قدماها بلا هدى في الضحى الى بيت والدة صديقة طفولتها التي رحلت قبل
أكثر من 25عاما في حادث تسمم من لدغة أفعى في حديقة بيتها تاركة والديها وحيدين إلا من ثروة لافتة للنظر.
لقد تواصلت في زيارتها لهما مدة ثماني سنوات ثم انقطعت عنهما لغرقها في الحياة
الدراسية والعملية، وجدت باب الحديقة مفتوح فدلفت للحديقة متجهة نحو مقعد قديم
كانت تجلس وصديقتها عليه في كل مرة تزورها، جلست عليه بهدوء حتى لا توقظ الوالدين
المستغرقين في النوم.
أطرقت تفكر في كل ما مر عليها منذ المناسبة العامة
السابقة وحتى الآن، سمعت بابا يفتح، شخصت اليه فوجدت امرأة مسنة تطل من الباب،
دققت النظر، حاولت التعرف عليها، هي أم صديقتها، لا لا لا !!! بلى هي بذاتها وان
غير الزمن معالم وجهها ، حقا هي هي، فالخال تحت عينها اليسرى لا زال يعلن عن
هويتها،
اعتدلت في جلستها وهي تهم للوقوف والسلام عليها،
لكن الأم بادرتها بلهجة حازمة: من أنت وكيف تدخلين البيت بلا إذن؟؟؟
أجابتها باسمة غير مستغربة: أنا سليمة صديقة النتك
المرحومة خديجة، تمسمرت الأم هنيهات وهي تمعن النظر في سليمة،
أدركت سليمة أنها تحاول تذكرها فسارعت لمساعدتها
بإنعاش ذاكرتها وقالت: أنا سليمة كنت وخديجة نجلس على هذا المقعد حيث في إحدى
المرات وقبل وفاتها بأسبوع، هرعنا اليك داخل البيت ونحن نصرخ هلعا حين دخل الحديقة
شاب أشعث أغبر، واختبئنا في حضنك بينما كان يبحث في مدخل البيت عن شيء من مخلفات
البيت من مأكل وملبس، فنهرت عليه بقوة متهمة اياه بالسرقة، فطلب الصفح منك وغادر
مسرعا.
هنا تذكرى الوالدة سليمة وحضنتها بحنان لم تعهده
سليمة من قبل وهي تبكي وتقول: خديجة قتلتها قسوة الطبيعة، أما الشاب فقد قتلته
فسوة الانسان في ذاتي إذ عاد بعد موت خديجة بأسبوع فنهرته بأعلى صوتي وأنا أصرخ حرامي
حرامي ففر هاربا بسرعة مذهلة محاولا قطع الشارع فصدمته سيارة شحن مسرعة فسقط على الأرض ميتا،
صمتت الوالدة وتممت قائلة : ليتني فهمته جيدا
وشغلته عامل حديقة عندي لكان اعتنى بالحديقة وأنقذ خديجة ونفسه،
هنا أفلتت الوالدة سليمة وهي تسألها بطريقة جدية،
ولكن لم انقطعت عن زيارتي هذه الفترة الطويلة،
أجابتها سليمة: كنت أخشى أن أكون مزعحة لك في
زياراتي خاصة أنك طيلة زياراتي الأسبوعية خلال ثماني سنوات لم يصلني عند أهلي أي سؤال منك
عني، بل حتى حين انقطعت عنك هذه المدة الطويلة لم اسمع منك شيئا ،
تنهدت الأم بحرقة وهي تقول اسمعي مني سليمة:
كنا صغارا نطمح أن نكون أسياداً بالمال ، فإذا بالمال يصبح سيداً
بنا، نحن حقا عبيد في ثياب أسياد
13/10/013 نابلس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق